لا يحتاج موقف المملكة العربية السعودية بحماية اليمن ودعم شرعيته والدعوة إلى الحوار لإيجاد تسوية سياسية بين الأطراف والمكونات الوطنية إلى أي تبرير أو تفسير أو سند.
وها هي الوقائع تتتالى توكيداً لصوابية القرار النوعي والرؤيوي والبعيد المدى لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ببدء «عاصفة الحزم« لوقف الانقلاب الحاصل، وإعادة الأوضاع إلى نصابها الطبيعي والحقيقي والذي يتلاءم مع مصلحة اليمن ووحدته بحاضره ومستقبله، وقطع الطريق على مؤامرة تحويله إلى ساحة فوضى وصراع وبؤرة تهديد وتآمر ودسائس وتصدير الفتن في قلب المنطقة العربية بدءاً من الخليج العربي الشامخ وامتداداً إلى المشرق ومنه إلى مصر وصولاً إلى بلاد المغرب العربي.
ولعل أبرز ما في هذه الوقائع تمثل في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بتبنّي مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية، ما أعطى بعداً دولياً قانونياً يضاف إلى الأبعاد الإنسانية والأخلاقية والإنقاذية المتمثلة بـ«عاصفة الحزم« كونها تتوخى أولاً وآخراً انقاذ اليمن وحمايته من رياح التدخلات الهادفة لفرض واقع انقسامي خطير غير مسبوق، بعد أن عاثت فوضى وخراباً في دول عديدة في مقدمتها كما هو ظاهر سوريا والعراق.
ولعل العنوان الأبرز لليقظة العربية بقيادة السعودية هو رفض تعميم سيادة منطق الدويلة ضمن الدولة في كل دولة وبلد شقيق قريب أو بعيد، والتصدي لمنطق بسط سلطة الميليشيات إلى جانب سلطة المؤسسات الرسمية العسكرية والأمنية، وقطع الطريق على إقامة دفرسوارات في قلب المجتمعات لزعزعة نسيجها الواحد بمسميات عديدة ونسف مرتكزات عيشها المشترك ومصيرها الواحد والموحد.
وفي هذا ما يضع السعودية اليوم أمام مسؤولية تاريخية في كونها أصبحت رافعة جامعة وموحدة في وجه جرافات التقسيم، كما أكدت دورها كقلعة مدافعة عن استقلال واستقرار دول عديدة ومجتمعاتها في وجه ما يراد من خلاله المس بالأمن القومي وصورة الإسلام الصحيح.
وفي وقت وصل فيه الحديث عن الفراغ على المستوى الاستراتيجي عربياً، وتفاقم تربص المتربصين لملء هذا الفراغ من قبل الأعداء التاريخيين والمستجدين للأمة، فإن عاصفة الحزم يمكن النظر إليها باعتبارها المدماك الأول والأساسي في هذه المرحلة في عملية معالجة المشكلات الناجمة عن هذا الفراغ، وفي التأسيس لمرحلة واعدة لسياق جديد لتجاوز واقع الفراغ وخلق المناخات المؤاتية لعالم جديد يستعيد فيه العرب حيوياتهم وحضورهم الاستراتيجي على المستويات كافة.
ومع تصاعد الحملة من قبل المتضررين من هذه الصحوة العربية النوعية بقيادة السعودية، ووصولها إلى حد وصفها من قبل الرئيس سعد الحريري بـ«عاصفة الكراهية«، وهو محق بذلك، فإن استمرار الحملة ضد السعودية وتجاوزها حدود المعقول ما هو إلا أحد تعبيرات نجاح «عاصفة الحزم« في تحقيق أهدافها الأولية، ومضيها في تحقيق كامل الأهداف المرجوة منها لإنقاذ اليمن وشعبه وحماية الأمن القومي العربي والخليجي من المحاولات المستمرة من قبل أصحاب المشاريع الامبراطورية للسيطرة والهيمنة.
ولنا أن نسأل في هذا المجال عما يريده من يقوم اليوم بافتعال العداء بين لبنان والسعودية، وعن الضرر الذي يلحقه بلبنان من خلال تشويه الحقائق والإساءة إلى بلد شقيق وكبير عرف على الدوام، انه طالما وقف وما يزال إلى جانب وطن الأرز، ولم يبخل بالغالي والنفيس من أجل وقف الحرب فيه وإعادة بنائه وإعماره والمساهمة بشكل واسع في استعادة الدولة ومؤسساتها الرسمية لدورها وجهوزيتها، وآخر مثال حيّ على ذلك الهبتان السخيتان لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بقيمة أربعة مليارات دولار، فضلاً عن مساعدة اللبنانيين على إعادة إعمار ما تهدم في الحروب مع إسرائيل وآخرها حرب تموز 2006. ومن المسؤول عن محاولات الإساءة إلى مملكة الخير ونصرة الحق والمظلوم والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية العادلة والمحقة؟
وماذا يراد من الإساءة إلى سفير المملكة في لبنان علي عواض عسيري الذي أدى طوال السنوات السابقة وما يزال دوراً اتسم بالحكمة وبُعد النظر والعمل على لمّ الشمل اللبناني والحد مما تثيره الانقسامات والسجالات اللبنانية المعهودة؟ وهل يراد من محاولات الإساءة إلى المملكة وسفيرها الخلوق والمثقف جرّ لبنان إلى المزيد من الورطات التي لم يحتمل ما سبق منها فكيف له ان يحتمل ما يمكن أن يكون مستجداً منها؟
نطرح هذه الأسئلة وغيرها الكثير مما لا مجال لذكره في هذا السياق، ومما ليس له من الأجوبة إلا ما يجعل استنكار هذه الإساءات بحق المملكة أقل الواجب الوطني، ومطالبة أصحاب هذه الإساءات ومحركيها ومطلقيها بالفصل بين التزاماتهم ومصالحهم الضيقة وبين الالتزامات والمصالح الوطنية.
() رئيس تحرير مجلة «الهديل»