ليس اليوم، وقت المحاسبة، ولكن بعد دخول احداث بلدة عرسال شهرها الثالث، من الطبيعي ومن حق اللبنانيين على حكومتهم وعلى قيادة الجيش ان يعرفوا كيف هو الوضع داخل عرسال في هذه الايام، بعدما احكم الجيش سيطرته على مداخلها، ومحيطها، والمواقع الاستراتيجية في جردها التي استردها بالقوة من قبضة المسلحين الارهابيين، على اعتبار ان ما يحصل من اعمال مخلة بالامن داخل عرسال، مثل الخطف والقتل، وفرض الخوات، وتحرك المسلحين بكثير من سهولة الحركة، دخولا وخروجا، يثير الكثير من التساؤلات التي لا جواب عليها سوى ببيان واضح من قيادة الجيش، «ينور» فيه المواطنين خارج عرسال الى وضع بلدة لبنانية عزيزة امنها وامن ابنائها امانة في عنق الدولة، لانها المسؤولة الوحيدة عن امن كل لبنان، ومثلما تمكنت الدولة واجهزتها بالتعاون والتنسيق مع نواب طرابلس وفاعلياتها ورجال الدين فيها، من تنفيس الاحتقان والتوتر في عاصمة لبنان الشمالية، عليها ان تقوم بخطوة مماثلة وسريعة في عرسال وفي اي بلدة ومدينة لبنانية مهددة بأحداث مثل احداث عرسال من قبل الخلايا النائمة التي تحدث عنها قائد الجيش العماد جان قهوجي، استباقا لحصول الاسوأ الذي تصعب معالجته لاحقا. وبهذا توفر الكثير من الخسائر، والعديد من الضحايا، وما عليها سوى ان تقرأ بامعان وجدية مضمون تقرير ممثل الامين العام لتطبيق القرار الدولي رقم 1559 تيري رود لارسن الى مجلس الامن في جلسة خاصة مغلقة، شرح فيه بالتفصيل وضع لبنان الخطير والدقيق، بوجود ادلة على وجود خلايا لتنظيم «داعش» في لبنان، وهو يشكل تهديدا اضافيا له بعد الهجمات السورية على قرى وبلدات لبنانية، ودور حزب الله وتدفق النازحين السوريين، وظهر تخوف لارسن الشديد وقلقه على الوضع في لبنان، عندما طالب اعضاء مجلس الامن القيام بزيارة جماعية الى لبنان لفهم حقيقة ما يجري على الارض، وعدم معالجة الوضع في لبنان بمعزل عن تطورات المنطقة، كما دعا الى تسريع اجراء انتخابات رئاسية لما لها من نتائج ايجابية على الوضع. خصوصا ان نشر هذا التقرير تزامن مع تدهور العلاقات بين ايران والسعودية وتبادل الاتهامات بين الجانبين على خلفية حكم الاعدام بحق الشيخ الشيعي نمر النمر من جهة واتهام وزير خارجية السعودية سعود الفيصل ايران باحتلال سوريا والعراق وبعض الدول العربية، ويقصد هنا اليمن بعد احتلال الحوثيين العاصمة صنعاء من جهة ثانية، وما يمكن ان ينعكس من تداعيات لهذا التوتر على لبنان وعلى الحرب المفتوحة في العراق وسوريا واليمن.
***
ان الفراغ في رئاسة الجمهورية، لا يحمّل الحكومة غير المتجانسة مسؤولية كبيرة فوق طاقتها، فحسب، بل يحرم لبنان من مرجعية رفيعة قادرة على التوجيه في الداخل، وادارة الشؤون الملحة باكبر قدر من الامكانات والمسؤوليات المتوفرة، ومخاطبة العالم ودول القرار والدول العربية، بالعقل والمنطق والشجاعة والوطنية التي يتحلى بها الرئيس العماد ميشال سليمان، واعتمد عليها بكثير من الحكمة لتذليل ما كان صعب التذليل، وكان دائما يجنب البلد صعوبات كثيرة بالمواقف الوطنية المتزنة، ولا بأس من اجل مصلحة لبنان العليا لو ان الحكومة والقيادات الامنية والعسكرية، تلجأ الى الرئيس سليمان لمشورة عاقلة ومنزّهة عن اي غرض. في ما يتعلق بخطوات لمعالجة الاوضاع الصعبة، مثل وضع عرسال، والبقاع الشمالي وعكار او في كيفية التعاون او التفاوض او التفاهم من الدول الاجنبية والعربية طالما ان تعطيل انتخاب رئيس ما زال هدفا اساسيا بذاته لدى فريق معين.
اشركوا الشعب في الحقيقة، تكسبوا دعمه وتفهمه وتعاونه، واعلموا ان الصمت قد يفيد احيانا، ولكنه قد يضر احيانا اخرى، ولذلك ان سياسة قول الحقيقة للناس، بالقدر المسموح وطنيا، هي سلاح فاعل في تمتين الوحدة الوطنية، وفي تلاحم الشعب مع جيشه ودولته، ولكن حذار حذار التمويه والتمييع وانصاف الحقيقة.