اي حادث يحصل في لبنان، يشبه الحادث الموجع الذي حصل في جبل لبنان، يفتح في خاصرة الوطن جروحاً عميقة عمرها من عمر الطوائف والمذاهب التي استوطنت لبنان ملاذاً لها وحماية، وفشلت في تأسيس وطن كامل الاوصاف، وبقيت حتى اليوم طوائف ومذاهب وعائلات وعشائر وقبائل تتقاتل في ما بينها وبين بعضها بعضاً، واي توصيف آخر، كمثل الامة اللبنانية، والامة العربية، والعيش الواحد، ليس سوى تعبير عن نيّة طيبة، وكلام لا يعكس حقيقة الواقع على الارض.
لن ادخل في تفاصيل حادث قبرشمون، ولا في توزيع التهم والمسؤوليات، فهذا شأن القضاء ولكنني اعتبر ان من اطلق الرصاصة الاولى في جبل محتقن، يعجّ بالسلاح، والعصبية الموروثة وهواجس البقاء او الالغاء، هو الجهة التي تتحمّل المسؤولية الاكبر والقضاء وحده يحدّد حجمها وحجم المسؤوليات الاخرى، ما قبل الحادث واثنائه وبعده.
هذا الحادث الدموي، الذي خلّف قتلى وجرحى واحقاداً ظاهرة ودفينة، وزاد في مأساة لبنان الاقتصادية والمالية، يجب ان يوضع على مشرحة المصارحة الصادقة بين الشعوب التي تعيش على هذه الارض، للبحث بشجاعة وصدق وبرغبة حقيقية في الوصول الى حلّ انقاذي، انطلاقاً من مسلّمة لم يعد مقبولاً النقاش حولها، وهي ان النظام الحالي اثبت فشله، وان مئات الالوف الذين قتلوا من ابناء الطوائف والمذاهب، والذين جرحوا واعيقوا وهاجروا، هم ضحية هذا النظام الكذبة الذي عاشه الناس منذ مائة عام، وحان الوقت لتغييره واستبداله بنمط عيش مختلف، يشعر فيه كل مكوّن انه في امان وسلام واستقرار مهما كان عدده، وهذه البديهيات في حياة الشعوب لم يؤمنّها النظام الطائفي الا في اوقات قليلة وقصيرة، ولا يعجز اللبنانيون على ايجاد حلّ والتوافق عليه، على اقلّه لحماية انفسهم وليس كرمى لعيون احد.
وهذا النمط في حدّه الادنى ينطبق على اللامركزية الادارية والسياسية الموسعة، هذا اذا استبعدنا التقسيم والفدرالية والكونفيدرالية، لاسباب عدّة اصبحت معروفة من الجميع مع انها كفيلة ببناء وطن تتعاون طوائفه ومذاهبه على جعله من ابناء الحياة كما حصل في العديد من الدول التي تشبهنا، ولها تجارب ناجحة في هذا المجال.
يبقى هناك نقطة جدّ هامة، لم تأخذ حقها بمقاربة جدّية وصريحة، هي ما اصطلح على تسميته بعد اتفاق الطائف «ان المسلمين اوقفوا العدّ» بعد انخفاض نسبة المسيحيين الى الثلث حسب الاحصاءات، هذا الوعد لم يطبق عمليا لا في الانتخابات النيابية ولا البلدية ولا الاختيارية، الا في شكل نسبي، ولم يطبق في الوزارات والادارات العامة والمؤسسات، وكانت الوصاية السورية تنتقي من تشاء من النواب والوزراء والموظفين المسيحيين واستمرأ الشريك المسلم هذه الطريقة بعد رحيل الوصاية، وما من مرة طالب المسيحيون بالمناصفة الا وجوبهوا بالتعجيز، كما ان المسلمين في شكل خاص لا يرغبون بدولة مدنية وبمحاكم مدنية بدلاً من الدينية، يسندهم في ذلك عدد كبير من رجال الدين المسيحيين، مع ان فصل الدين عن الدولة، هو خطوة كبيرة نحو مصالحة الطوائف.
اللبنانيون في ظل هذا النظام، مصيرهم الحروب، والموت، والهجرة، وانحلال الدولة مع ان دولة بثلاثة رؤوس… ليست دولة.