استغرب سياسي مخضرم أن يفتّش بعض المسؤولين السياسيين كل مرّة عن مواضيع يختلفون عليها وليس عن مواضيع يتفقون عليها خدمة للبنان المتعب ولاراحته.
في الماضي اختلفوا على موضوع اللاجئين الفلسطينيين والخوف من توطينهم في لبنان، فكانت حرب السنتين، الى ان اتفقوا في مؤتمر الطائف على إيراد نص في مقدمة الدستور يقول بوضوح وصراحة: “لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين”. وها قد مر أكثر من 65 سنة على اللجوء الفلسطيني الى لبنان ولا توطين حصل لهم ولا عودة الى ديارهم لتصبح المشكلة التي يواجهها لبنان عندئذ مشكلة تأمين المساعدات لهم اذا خفضت وكالة الغوث موازنتها او توقفت عن تقديم هذه المساعدات، وألقي هذا العبء الثقيل على لبنان وحده وهو عاجز عن حمله وتحمّله، فيتحوّل اللاجئون الفلسطينيون المحرومون من المساعدات الى ارهابيين، وهو ما حذّر منه غير مسؤول في دول أوروبية وأميركية.
لذلك يمكن القول إن المشكلة الحقيقية التي يواجهها لبنان سواء بالنسبة الى اللاجئين الفلسطينيين أو بالنسبة الى اللاجئين السوريين ليست الخوف من التوطين أو التخويف به، انما مشكلة تحمّل إقامتهم في لبنان إلى أجل غير معروف، وما يتطلّب ذلك من تحمّل أعباء اقتصادية ومالية واجتماعية يعجز لبنان المنهك عن تحمّلها إذا ما تخلّت وكالة الغوث عن تحمّلها، أو توقفت الدول المانحة عن تقديم المساعدات الى اللاجئين السوريين. فالمشكلة إذاً ليست مشكلة خوف من التوطين بقدر ما هي الخوف من إقامة طويلة في لبنان قد لا تنتهي بتوكين ولا بعودة إذا ظل المجتمع الدولي لا يعير اهتماماً لمصير هؤلاء. فـ 65 سنة مرّت ولم يتم التوصل الى حل للقضية الفلسطينية حلاً عادلاً وكأنها باتت منسية ليصبح الأمر الواقع هو الحل المفروض، أي لجوء دائم وماله من تداعيات وتتحوّل المطالبة بالعودة الى السؤال: “إلى أين ما دامت اسرائيل تواصل بناء المستوطنات لتمنع العودة وتفرض التوطين كأمر واقع وتعرقل قيام دولة حتى على ما تبقى من الأرض لتصبح دولة غير قابلة للحياة؟”.
أما بالنسبة الى اللاجئين السوريّين فالمشكلة ليست في احتمال توطينهم لأن وضعهم يختلف عن وضع اللاجئين الفلسطينيين الذين لم يبق لهم أرض يعودون إليها، وإنّما هي مشكلة لجوء قد يكون طويل الأمد في لبنان ولا أحد يعرف مدّته إذا ظل المجتمع الدولي يعالج الأزمة السورية كما يعالج الأزمة الفلسطينية، فأكثر من خمس سنوات مرت على هذه الأزمة ولا حل لها يبدو في الأفق لأن كل دولة تريد حلاً على قياس مصالحها وأهدافها.
لذلك ينبغي على لبنان أن يهتم بأمرين ولا يتلهّى بالكلام على توطين اللاجئين السوريين، أولهما السعي الدؤوب للحصول على المساعدات التي يتطلّبها استمرار اللجوء السوري، وثانيهما السعي أيضاً للاسراع في حل الأزمة السورية كي يعود اللاجئون السوريون الى أرضهم وديارهم وهي أرض غير محتلة أو مسلوبة كما الأراضي الفلسطينية.
لقد بات واضحاً أن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى ديارهم لأنهم فقدوها بالاحتلال الاسرائيلي والاستيطان، ولا شيء يدل حتى الآن على أنه ستكون لهم دولة تجعل وجودهم في الخارج كوجود أي جالية عربية أو أجنبية، فيصبح بقاؤهم حيث هم أمراً واقعاً وتحت أي مسمى، خصوصاً وقد أصبح اللاجئون الفلسطينيون جيلاً ثانياً وجيلاً ثالثاً لا يعرف شيئاً عن فلسطين ولا حنين له الى الأرض والمنزل مثل الجيل الأول، لتصبح المطالبة مع الوقت في ظل هذا الوضع بالجنسية وليس بالعودة التي لا تُعرف إلى أين؟
ولئلا يتكرّر مع اللاجئين السوريين ما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين، ينبغي مواصلة بذل الجهود لهم وإلاّ تعرّض أمنه للخطر عندما يصبح اللاجئ محروماً كل شيء فلا يعود يخشى شيئاً يخسره إذا ارتكب جرائم قتل وسرقة أو صار انتحارياً.
الواقع أن الأمل الوحيد الباقي للاجئين الفلسطينيين هو أن يصبح لهم دولة ليتحوّلوا حيث هم الى جالية كسائر الجاليات. والأمل الوحيد لعودة اللاجئ السوري وقبول العيش حتى في خيمة على أرضه أفضل له بكثير من خيمة تُنصب على أرض غيره يعيش فيها بذلٍ وحرمان في انتظار الحل النهائي في سوريا.
والسؤال المطروح هو: إذا كانت القضية الفلسطينية لم تحل حتى بعد مرور أكثر من 65 سنة فصار توطينهم أمراً واقعاً، فمتى تحل القضية السورية، لا خوفاً من التوطين بل خوفاً من أن يصبحوا أداة تعكير للأمن في لبنان أو بيئة حاضنة للارهاب، هذا إذا لم يتحوّلوا إلى إرهابيين، وهو ما يجعل الخوف ليس من توطينهم بل من طول لجوئهم ولا قدرة للبنان على تقديم ما يحتاجون اليه من مساعدات، فيرتكب المحرومون منهم الجرائم على أنواعها… وهو الخطر الكبير على لبنان وليس التوطين، وهو ما يجب على الدول الشقيقة والصديقة مساعدته عليه.