لا شكّ في أنّ الضبابية التي تلفّ اصطفافات تيار «المستقبل» تنسحب أيضاً على أدائه الذي بدأ يتوضّح من خلال أداء وزرائه في الحكومة. وإذ اعتُبرت انتفاضة «الوزير الصديق» للتيار الأزرق درساً من دروس المواجهة بادرَ بها الوزير المستقيل طوعاً، في ظلّ غياب القرار الموحّد، فإنّ الحكومة مجتمعةً عجزَت عن تبنّي هذه المواجهة وأعلنَت بعد اجتماع دامَ 7 ساعات… استمرارَها في العجز.
في المعلومات، أنّ «التباطؤ في التعامل مع قضية ميشال سماحة لنقلَه إلى المجلس العدلي كان النموذج الأكثر وضوحاً عن عدم وجود قرار لدى «المستقبل» وحلفائه داخل الحكومة بالوصول إلى مواجهة الحقيقة».
وعندما استقلّ أركان «المستقبل» الطائرةَ للذهاب إلى الرياض قبل ساعة من إعلان الدكتور سمير جعجع ترشيحَ العماد ميشال عون، كان الهدف الأساسي اتّخاذ قرار في كيفية التعامل مع قضية سماحة داخل مجلس الوزراء، لكنّ حدث ترشيح عون، طغى على الموضوع ولم يُلغِه، فتمّ النقاش مع الرئيس سعد الحريري، حول الخيارات الصعبة والسهلة.
ما كشفَه اللواء ريفي أمس عن كلام الوزير نهاد المشنوق لم يكن سرّاً. وتقول المعلومات إنّ الشهود عليه كثُر وأوّلُهم صاحب القرار الرئيس سعد الحريري، الذي استمعَ إلى المشنوق يقول من دون التباس: يجب أن نستقيل ونقطع الحوار الثنائي مع «حزب الله» إذا لم تُحل قضية سماحة إلى المجلس العدلي، وأضاف: يمكن أن أستقيل أنا واللواء ريفي أوّلاً وليس جميع الوزراء السنّة.
سمعَ ريفي كلام المشنوق وأيّده، وأخذت المشاورات بُعداً انتظارياً، ريثما يُبلور الرئيس الحريري نتائجَ اتصالات سيقوم بها (مع سلام وجنبلاط وبري والحلفاء)، وطال الانتظار من دون نتيجة.
عندما قرّر ريفي أن يقاطع جلسات مجلس الوزراء، كان الواضح أنّ مماطلة انتظارية أخرى يتمّ تحضيرها، تهدف إلى انتظار حكم محكمة التمييز العسكرية، فبَعد ثلاث جلسات شهدَت التأجيل لبندٍ كان على جدول أعمال الحكومة، قرّر ريفي وضعَ حدٍّ للمماطلة، وفورَ دخوله الجلسة، قال للمشنوق:
لم يعُد أمامي خيار إلّا الانسحاب من الجلسة، إذا لم يناقَش البند. وتقول المعلومات إنّ المشنوق تصرّفَ كأنّه لم يَسمع ما سمعه، وكانت النتيجة خروجاً لريفي بعدما تأكّد أنّ تفاهماً حصَل على عدم تمريره في مجلس الوزراء، وكانت الجلسات الثلات مكسَباً بالنسبة إلى المشنوق الذي اعتقد أنّه حقَّق إنجازاً في قضية البلديات وتثبيت متطوّعي الدفاع المدني، فيما تُركت قضية سماحة للقدر، ولريفي.
المشنوق
وفي هذا السياق، أوضَح المشنوق عبر «تويتر»، أنّه «طُرح في اجتماع الرياض الاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار في حضور الصديق اللواء أشرف ريفي والنائب أحمد فتفت والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة.
وكانت توجيهات الرئيس الحريري ألّا نقوم بأيّ خطوة تُحرِج الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط. ولاحقاً طلبَ منّا الحريري تأجيلَ الخطوات، أنا والصديق الوزير ريفي، وهذا ما حدث». وأكّد: «إلتزامي هو بعَدم الانفصال عن قيادة التيار السياسي الذي أمثّله في الحكومة، وأترك للحريري خيار نَشر وقائع الاجتماع، باعتبار أنّنا كنّا في منزله».
أمّا في مسألة التعامل مع ما قام به وزير الخارجية جبران باسيل، فقد حصَل الأمر نفسه. وتقول المعلومات إنّ «وزراء المستقبل سكتوا عمّا فعله باسيل وسكتَ الوزراء المستقلّون، إلى أن وصلت الأمور إلى صدور القرار السعودي بتجميد المساعدات للجيش وقوى الأمن الداخلي، التي ظهرت عجزاً متمادياً عن التعامل داخل الحكومة مع حزب الله وحلفائه».
يقول مرجع سياسي إنّ الموقف السعودي كان ردّاً وتحذيراً للحلفاء، وليس فقط موقفاً من «حزب الله». فقطعُ المساعدة السعودية، هو عتبٌ وغضَب من تقاعس الحلفاء، إذ إنّ المنطق يقول إنّ اللومَ يأتي على قدر التحالف، فالحلفاء الذين سَكتوا عن «حزب الله» داخل الحكومة يتحمّلون مسؤولية واضحة في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، فيما لا يمكن لوم «حزب الله» الذي يستعمل الحكومة لتنفيذ أهدافه على وقعِ صمت وزراء تيار «المستقبل» و»14 آذار».
وتلفتُ المعلومات إلى أنه منذ تأليف هذه الحكومة التي سُمّيت حكومة ربط النزاع، و»حزب الله» يستعملها لتنفيذ أجندته، ليعطّلها في حال خالفَت هذه الأجندة، وقد رضيَ «الحزب بأن يتولّى تيار «المستقبل» وحلفاؤه وزارتَي الداخلية والعدل، لكي يُحمّل الطائفة السنّية مسؤولية أيّ أحداث أمنية قد تقع، وليضعَ قيادة هذه الطائفة في وجه قاعدتها، وحين ذهب المشنوق إلى الحدّ الأقصى في تنفيذ التزامات تيار «المستقبل»، في سجن رومية وغيرها، بادلَ «حزب الله» ذلك بتعطيل الخطة الأمنية في بيروت والبقاع، ما حدا بالمشنوق منذ أشهر وإلى اليوم، على المطالبة في المجالس الداخلية بالانسحاب من الحكومة ووقفِ الحوار مع الحزب، لكن من دون ترجمات عملية».
اليوم تجد هذه الحكومة نفسَها أمام واقع لم يعُد ممكناً من خلاله، الاستمرار إلّا إذا قرّر تيار «المستقبل» وحلفاؤه أن يدفعوا من «اللحم الحيّ» للإبقاء عليها، وعلى الأرجح لن يقوم «المستقبل» بأيّ خطوة لوضع حدٍّ لاختلال التوازن داخل الحكومة لخشيتِه الفوضى الشاملة، وبالتالي لن تسير هذه الحكومة إلّا وفق النموذج الذي اعتمدته لحلّ أزمة العلاقة مع السعودية، أي إنّ أقصى ما يمكن أن تفعله هو أن تتمخَّضَ لتلد بياناً، لا يمكن معارضته أو تأييده، أي كأنّه لم يكن.