منذ دارت العجلة الرئاسية، تعقبها الحكومية، واللبناني مقطوع الأنفاس، ليس تحسباً لطارئ يستهدف الانفراجات والتطمينات، وإنما لأنه في وتيرة السنوات الأخيرة كاد ينسى المشي هرولة، هو الذي اعتاد في السنوات الأخيرة الوقوف دقيقة صمت على استقراره الاقتصادي والاجتماعي والصحي والبيئي والتربوي وجوانب حياتية عديدة أخرى.
ومن هذا المنطلق بالذات، غبطة اللبناني مضاعفة في تسارع الأحداث منذ إنهاء الشغور الرئاسي وتشكيل حكومة وفاق وطني، ومنهما الى مزيد من الثقة، ليس بالبيان الحكومي المنتظر بين العيدين فحسب، وإنما في الطريق نحو قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل ويضمن تسيير أعمال المؤسسات، والبناء على أرضية مشتركة لا يكون فيه طرف داخلي غالب ولا آخر مغلوباً، وإنما مواطنون يواجهون التحديات معاً وما أكثرها في زمن التسويات الخارجية ووحول المحاور..
ومن الهرولة الى الركض، اللبناني في احتفالية أعياد، هو الذي سعى على مر العام الى تأطير أمنياته للسنة المقبلة كأضعف الإيمان، ومن باب عدم الخيبة، كأن يبقى البلد بلداً ولا تنكسر هيبة مؤسساته، فإذا بالأمنية تتوالد وتصبح صلاة ووفاقاً وتفاهمات لم تكن تخطر على بال لبناني فهيم في خفايا البلد وقطبه المخفية وتقاطعاته وكانتوناته.
وتصبح الأمنية بياناً، فيه القسم، وفيه العناوين التوافقية، وفيه النهج التغييري، وفيه الاستقرار الذي في أولى مقوماته الوحدة الوطنية في مواجهة الفتنة والتشرذم والفوضى، وفيه مصلحة لبنان العليا، وفيه اطمئنان اللبناني الى الآخر، والى الآتي، والى استثمار الغد الموعود بقيام دولة المواطنة وتحقيق النقلة النوعية في إرساء الشراكة الوطنية الفعلية، وهذه المرة على أساس الكفاءة بدلاً من الصفة الحزبية والواسطة المذهبية، وعلى أساس الاقتصاد الحر الذي فيه مبادرات فردية بقدر حاجته للعام والخاص وقطاعات تضمن رؤى مالية هادفة.
وما على اللبناني المصدوم لحينه، المهلل أو المشكك، سوى المبادرة بدلاً من الاكتفاء بالمواكبة، فالأجواء الإيجابية لا تأتي من عدم، وإنما من ثمرة قناعة بحتة بأن الانفراجات تحدث بفعل شفافية الأهداف وجوجلة الأفكار الصادقة والبناءة، لا جوجلة المغانم والحصص، وهي الطريق الوحيدة التي تأخذ الى مجتمع تعددي لا خلاص له إلا بالتوازن والتضامن على مبدأ «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب.. والاخوة كثر».