بعد البيان المفاجىء الأخير الذي صدر عن نوّاب حاكم مصرف لبنان الأربعة: وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان، الذي شدّد مع تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف في 31 تمّوز الجاري، على ضرورة تعيين حاكم عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت ممكن، وتلويحهم بأنّهم قد يضطرّون الى اتخاذ الإجراء الذي يرونه مناسباً للمصلحة العامّة (أي تهديدهم بالإستقالة)، أصبح خيار إسناد المنصب الى نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري، كإجراء مؤقّت الى حين تعيين حاكم جديد خلفاً للحاكم الحالي رياض سلامة، والذي كان الأكثر ترجيحاً، على المحكّ.
مصادر سياسية عليمة تقول بأنّ البعض كان يُحاول تجنّب إدخال البلاد في فراغ ثانٍ، مع انتهاء ولاية الحاكم نهاية تمّوز الحالي، يُضاف الى الفراغ الرئاسي المستمرّ منذ أواخر تشرين الأول الفائت. ولهذا طالب رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في وقت سابق بأن يُصار الى انتخاب رئيس الجمهورية قبل 15 حزيران المنصرم، وعيّن الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس في 14 منه، على أمل سدّ الشغور الرئاسي، ليُصار بعد ذلك الى تعيين حاكم أصيل. غير أنّ عدم توافق الكتل النيابية أبقى الوضع على حاله، ووصلنا اليوم الى قرب انتهاء ولاية الحاكم خلال أيّام، من دون أي حلّ نهائي.
ورأت المصادر بأنّ حصول فراغَين في لبنان من شأنه مفاقمة الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية التي يتخبّظ بها البلد. وبعد صدور بيان نوّاب حاكم مصرف لبنان ثمّة ثلاثة خيارات لتلافي شغور منصب الحاكم هي:
1 – التجديد للحاكم الحالي رياض سلامة، وهذا الخيار غير وارد حالياً لدى جميع القوى السياسية بدون إستثناء. كما أنّ الحاكم نفسه يرفض فرضية التجديد له مرّة أخرى. ولهذا فهو خيار يستحيل تطبيقه.
2 – تطبيق المادة 25 من قانون النقد والتسليف التي تجاوزها بين النوّاب الأربعة ولم يذكر سوى المادة 18 منه، والتي تنصّ على أنّه «في حال شغور منصب الحاكم، يتولّى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يُعيّن حاكم جديد». وهذه المادة أيضاً لم تعد خياراً مناسباً بعد صدور بيان النوّاب الأربعة، الذي دلّ على أنّ منصوري يرفض أن تؤول اليه مهام الحاكم، كما أنّ نوّاب الحاكم لوّحوا بالإستقالة في حال لم يؤخذ بمطلبهم أي «تعيين حاكم جديد».
3 – الإتجاه الى تعيين حاكم جديد، خلفاً لسلامة، وهو الخيار المتبقّي أمام انتفاء فاعلية الخيارين الأول والثاني. غير أنّ هذا الخيار يستوجب «إجراء تعيينات»، غالباً ما تقوم بها حكومة كاملة الصلاحيات. أمّأ في الوقت الحالي، فإنّ عقد جلسة لمجلس الوزراء لتعيين حاكم مصرف جديد، تجدها قوى سياسية عدّة غير دستورية، لا يُمكن أن يحصل. كما أنّ التوافق على إسم الخَلَف للحاكم يتطلّب الموافقة عليه من قبل جميع المكوّنات السياسية. وفي حال حصول هذا التفاهم، فهذا يعني أنّه يُمكن عندها للقوى السياسية انتخاب رئيس الجمهورية غداً. وهو أمر لا يزال مستبعداً حتى الساعة.
وأمام هذا الواقع الذي جعل الخيارات تُقفل لا سيما من قبل نوّاب الحاكم، والذين هدّدوا بالإستقالة أيضاً، تعتبر المصادر نفسها أنّ التنصّل من تحمّل المسؤولية سيودي بالبلد الى فراغٍ أو شغور ثانٍ حُكماً، وإن كان بغنى عنه. ولهذا فإنّ سدّ الشغور يتطلّب إعطاء تطمينات للنائب الأول منصوري، لا سيما بعد أن أظهر بيان النوّاب أنّ كلّ منهم قلق وغير مستعدّ لتلقّي كرّة النار، أي لتولّي مهام الحاكم في حال وصل الخيار اليه، لا سيما في ظلّ غياب خطة سياسية ومالية ونقدية شاملة. كما أنّه من الصعب أن يؤول «تصريف الأعمال» الى المصرف المركزي.
وتجد المصادر بأنّ تلويح نوّاب الحاكم بالقيام بخطوات تصعيدية من أجل المصلحة العامة، أي بالإستقالة، فيزيد من تفاقم الأزمة ولا يحلّها. وهذا يُحتّم على جميع المسؤولين البحث عن المخرج المناسب قبل نهاية تمّوز الجاري، وهي مسؤولية مشتركة لعدم الوصول الى الفراغ في المصرف المركزي.. وإذ لفت البعض الى أنّه ثمّة تباين في مواقف «الثنائي الشيعي» في ما يتعلّق بالتعيينات التي تستفز قوى عدّة في البلد، فكيف بمواقف الأطراف الأخرى، أكّدت المصادر عينها أنّه رغم اختلاف وجهات النظر في بعض المقاربات، إلّا أنّ توجّه «الثنائي» يبقى واحداً، ما يعني أنّهما يتخذان قراراً موحّداً عندما تدعو الحاجة لاتخاذه. فالثوابت الوطنية والاستراتيجية الدفاعية تجمع بينهما، ولا تخلفهما تفاصيل أخرى صغيرة.
أمّا بقية الأطراف السياسية، فلا تبدو مستعدّة لإيجاد أي مخرج لهذا الشغور الذي سيأتي لا محالة، في حال لم تتصرّف بمسؤولية وبسرعة.. ويبدو أنّ الأمر سيكون مؤجّلاً الى حين عودة المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان المرجّحة في المنتصف الثاني من الشهر الجاري، علّ مقترحه يكون شاملاً.