ما الذي جعل “اللجنة الخماسية” تتحمس لتحديد فترة قصيرة للكتل النيابية والسياسية، من اجل حسم التشاور قبل نهاية ايار الجاري، للذهاب بعده فورا الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، على الرغم من ان مثل هذه المهلة غير واقعية ؟
وفقا لمصادر مطلعة، فان هذه الفكرة جرى تداولها منذ اكثر من شهر مع جولة اللقاءات التي اجرتها اللجنة على الاطراف السياسية اللبنانية . وقيل يومها ان هذا الطرح استند الى التفاؤل بامكانية احداث خرق جدي باتجاه عقد الحوار، او التشاور بين سائر الاطراف من جهة، والى رغبة الدول من جهة ثانية باستكمال المؤسسات الدستوري اللبنانية قبل الاستحقاقات المرتقبة بعد وقف النار في غزة .
وبعد جولة اللجنة الاخيرة، زود السفراء الخمسة الجهات المعنية بالملف اللبناني في بلدانهم بالنتائج التي انتهوا اليها ، وتلقوا توجيهات وتعليمات بالمضي في جهودهم باتجاه حث الاطراف اللبنانية على تجاوز خلافاتهم حول مسألة الحوار ، ولا مانع في ان يقترن هذا الامر باشارة ضاغطة مرتبطة بتحديد مهلة زمنية، لحسم مسألة الحوار او التشاور .
ووفقا للمعلومات فان هذه التوجيهات المركزية تضمنت كلمة “الحوار ” وليس “التشاور” ، لكن اجتماع السفراء الاخير في عوكر استنبط كلمة “مشاورات ” بناء لاقتراح السفير السعودي وليد البخاري .
واشارت المصادر المطلعة الى ان الجانب الاميركي رفع في الفترة الاخيرة من وتيرة دوره في عمل اللجنة ، ولاحظ السفراء الاعضاء حماسة ونشاط السفيرة الاميركية جونسون، في اظهار الرغبة بممارسة ضغط معنوي على سائر الاطراف اللبنانية، للاسراع في انتخاب رئيس الجمهوية . وينقل عنها في مجالسها مع بعض الاطراف والشخصيات اللبنانية، انها حرصت على اظهار تأييد واشنطن لعدم ربط الملف الرئاسي بحرب غزة، على عكس المعلومات التي تكررت وتتكرر بان مهمة الموفد الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين، المكلف بملف الوضع المتعلق بالحرب الدائرة على جبهة الجنوب اللبناني، ستتمدد الى الملف الرئاسي ، ما يعني الارتباط بين هذين المسارين .
وعكس بيان “اللجنة الخماسية” الاخير ترجيح فكرة ممارسة ضغط معنوي على الاطراف اللبنانية، على الاقل لحسم موضوع التشاور في ما بينهم، للانتقال الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.
ووفقا لمصدر سياسي مطلع فان السفراء الخمسة كانوا يدركون منذ اللحظة الاولى ،ان هذه المهلة القصيرة والمحدودة لغاية نهاية الشهر الجاري غير كافية للوصول الى اتفاق حول التشاور المنوي عقده، خصوصا في ظل الخلاف بين الاطراف حول آلية عقده، ومن سيدعو اليه ومن سيترأسه . ويضيف المصدر ان اللجنة قبل اجتماعها الاخير، والبيان الذي صدر عنها، عبرت سابقا وفي غير مناسبة وعلى لسان غير سفير من اعضائها الخمسة، عن توافقها مع دعوة الرئيس نبيه بري للحوار منذ اكثر من سنة ونصف في مبادرته خلال مهرجان ذكرى تغييب الامام الصدر ، وان هذا الطرح هو الذي حفزّها على تنشيط مهمتها في الاشهر الماضية، لكنها اصطدمت بتشدد المعارضة وعلى رأسها “القوات اللبنانية”.
وحسب المصدر فان كتلة “الاعتدال الوطني” ، التي تحركت في مبادرتها لتسهيل الحوار ، عبرت مرارا عن استنادها الى الدور المحوري الذي لعبه ويلعبه بري بصفته الشخصية، وكرئيس لمجلس النواب تجاه الاستحقاق الرئاسي. ولم تنجح الكتلة في مسعاها لانتزاع توافق الاطراف على امرين اساسين لعقد الحوار او التشاور : مَن سيدعو اليه ومَن سيترأسه .
من جهتها، وصلت “اللجنة الخماسية” الى الخلاصة نفسها ، فرفع السفراء تقاريرهم الى دولهم، وانتظروا تعليمات جديدة، لكنهم لم يحصلوا عمليا سوى على جرعة تشجيع لاستكمال مهمتهم، بزيادة حث الاطراف اللبنانية والضغط عليهم لاجراء هذا الحوار التمهيدي للذهاب الى جلسة انتخاب رئيس جديد .
ووفقا للمعلومات ، لم يبحث السفراء الخمسة في اجتماعهم الاخير بصيغة محددة بشأن كيفية عقد الحوار او التشاور ، لكنهم اتفقوا على امرين يتعلقان بالمواصفات العامة للمرشح الرئاسي : ان يتمتع بتأييد واسع من الكتل السياسية ، وان يحظى بثقة المجتمع الدولي. وهذا التوصيف ليس جديدا لدى الدول الخمس ، بل سبق ان ورد في بيانات وتصريحات سابقة بصيغ عديدة .
وفي شان الحوار او التشاور فقد رشح من اجواء اجتماع عوكر ما يفيد، بان السفير السعودي حرص على ادخال جملة اضافية للبيان تتعلق بالتركيز على الجهود والمساعي الجارية وتسمية كتلة “الاعتدال الوطني” . ولم يكن اقتراحه بالشكل مفاجئا، باعتبار ان اللجنة عبرت على لسان بعض اعضائها اكثر من مرة عن ترحيبها ودعمها لمبادرة “الاعتدال” ، لكن السفير السعودي حرص على ذكرها في البيان . واختلفت التفسيرات حول هذه الرغبة بين من اعتبرها تندرج في اطار تكليف الكتلة باستكمال بحث سبل حل عقدة الدعوة وترؤس الحوار، بدلا من ان تتورط اللجنة في هذا التفصيل ، وهناك من رأى فيها محاولة لتزكية فكرة ان تتولى الكتلة المذكورة الدعوة للتشاور ثم يترأسه بري .
وبرأي مصدر نيابي في “الثنائي الشيعي” ان “اللجنة الخماسية” معنية بشرح موقفها وبيانها للاطراف اللبنانية ، لافتا الى ان بري كان واضحا بالتعاطي الايجابي مع البيان وما تضمنه وتبنيه للحوار او التشاور تمهيدا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو الموقف الذي يتلاقى مع موقفه ودعوته من اكثر من عام ونصف .
ويضيف المصدر ان الكلام في التفاصيل يحتاج الى شرح اللجنة لبيانها وموقفها، خلال اللقاءات التي يفترض ان تجريها مع بري وسائر الكتل النيابية والسياسية ، لافتا الى ان الكرة ما زالت في ملعب المعارضة، التي عليها ان تعلن موقفا صريحا وواضحا بتأييدها الحوار او التشاور، والا تختبىء وراء حجج حول آلية وشكل الحوار للتهرب منه .
ويضيف المصدر ان مسألة ترؤس رئيس المجلس لهذا الحوار او التشاور امر طبيعي، ولا يحتمل النقاش او اي تأويل او تفسير ، فهذا الامر هو من مسؤولية وصلاحية رئاسة المجلس اولا وثانيا وثالثا وعاشرا . ويحرص المصدر عل عدم الدخول في التفاصيل قبل لقاءات اللجنة ومشاوراتها المرتقبة واجتماعها مجددا مع بري .
وحول الدعوة للحوار، يؤكد المصدر ان فكرة التداعي للتشاور التي طرحتها المعارضة بقيادة “القوات” سقطت منذ اللحظة الاولى ، وان تجربة جلسة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون لا يمكن اسقاطها على جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والتشاور الذي اكدت عليه “اللجنة الخماسية” في بيانها الاخير . واذا كان البعض يعتبر الدعوة للحوار او التشاور مسألة شكلية ، فلماذا يتمسك برفض ان يتولى بري توجيه هذه الدعوة ، وهو المسؤول الطبيعي عن مثل هذا الامر ؟
وحول جلسة الانتخاب، يشير المصدر الى كلام رئيس المجلس الاخير الواضح الذي ليس فيه اي لبس ، واستعداده للحوار او التشاور الى الدعوة الى جلسات متتالية بدورات متتالية لانتخاب الرئيس ، والّا تزيد الفترة التي تفصل بين جلسة واخرى عن اليومين او ثلاثة . ويرى ان هذا الموقف يعكس الرغبة الجدية لدى رئيس المجلس اليوم قبل الغد ، والمطلوب من المعارضة ابداء مثل هذه الرغبة والتجاوب مع الدعوة للحوار .
وفي الخلاصة ، تترقب الاوساط السياسية ما ستفعله “اللجنة الخماسية” بعد بيانها، لا سيما ان المهلة التي اعطتها للاطراف اللبنانية تفترض منها التحرك المكثف، لشرح موقفها من بعض التفاصيل التي اوردتها، ومناقشتها مع بري والكتل النيابية .