ذكرى استشهاد البطل اللواء وسام الحسن، تحوّلت إلى محطة وطنية لرفاق دربه، يطلقون المواقف، يُقيّمون المسار، يخاطبون الحلفاء والخصوم، ويصارحون جمهورهم، بما آلت إليه أمور البلاد والعباد!
على هذا المنوال، انطلق نجما احتفال هذا العام: الوزير نهاد المشنوق، والنائب الشهيد الحيّ مروان حماده، لوضع النقاط فوق حروفها الصحيحة، وإبلاغ الشريك «الممانع» مرّة أخرى، برفض سياسة الأمر الواقع، وعدم الرضوخ أمام ضغوط «القوة المفرطة»، وأساليب استخدامها في الاغتيالات تارة، وفي اجتياحات ومعارك داخلية، وحروب خارجية مرات أخرى!
نهاد المشنوق، ومن موقعه كوزير داخلية، ومشارك في الحوار مع «حزب الله»، أعلن بكل صراحة، وبكثير من المسؤولية: ما ماشي الحال، لا في الحوار «الذي أردناه صوناً للسلم الأهلي، فإذا بنا نتحول إلى شهود زور»، ولا في الخطة الأمنية في البقاع «التي لا تزال حبراً على ورق، ووعوداً في الفضاء»، إلى جانب تداعيات الإمعان «بسياسة التعطيل، وخطف المؤسسات، ورهن الدستور للأجندات الشخصية».
تساؤل المشنوق عن جدوى الاستمرار في الحكومة وفي الحوار يصبح مشروعاً ومبرراً، في ظل هذا التعثر والتعطيل المتعمد لمحاولات إخراج البلد من مسلسل المآزق التي يتخبّط فيها، بسبب إصرار التيار العوني وحلفائه على التضحية بالدولة ومؤسساتها، طالما بقيت طريق قصر بعبدا مقفلة أمام «الجنرال»!
الواقع أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تتساءل أمام الشلل المهيمن على مجلس الوزراء، آخر مؤسسة دستورية فاعلة في الدولة، عن جدوى استمرار الحكومة الحالية، في ظل التعطيل المتعمد لجلساتها، وعدم قدرتها على تجاوز العقبات التي تعترض رغبة رئيسها في العمل والإنجاز، وتلبية مصالح الناس، وحفظ ما تبقى من هيبة الدولة، وفعالية مؤسساتها.
أليس وضع الحكومة حالياً هو أشبه بحكومة «تصريف أعمال»، أو حتى أسوأ بكثير، حيث لا يجتمع مجلس الوزراء إلا بعد تسويات قيصرية، وعندما يجتمع لا يتمكن من اتخاذ القرارات اللازمة بشأن الملفات والبنود الواردة على جدول أعماله.
في حين أن استقالة الحكومة تبرّر عدم انعقاد مجلس الوزراء، وتتيح المجال لرئيس الحكومة والوزراء القيام بالمهمات الملحة وتصريف الأعمال، ولو «بأدنى الحدود» وفق ما نص عليه الدستور.
وغني عن القول أن استقالة الحكومة تُفقد جماعة التعطيل ورقة ابتزاز مهمة، تحوّلت إلى سيف مصلت على جلسات مجلس الوزراء!
* * *
أما مناشدة نائب الشوف مروان حماده للرئيس سعد الحريري بالعودة إلى بيروت، لم تكن نداءً شخصياً، بقدر ما كانت صرخة مدوّية، تعبّر عمّا يختلج في قلوب شريحة كبيرة من اللبنانيين من عواطف ومشاعر تجاه وريث الرئيس الشهيد رفيق الحريري أولاً، ويجسّد جملة من الرغبات والهواجس التي تتجاذب حالة الإحباط التي يعيشها جمهور الحريري، في مختلف مناطق تواجدهم، بسبب غياب زعيمهم، وحالة الحصار الاجتماعي والإنمائي المفروضة عليهم، والتي أصبحت تُهدّد استمرار مؤسساتهم الحيوية: التربوية والصحية، الاجتماعية والرعائية.
طبعاً، سعد الحريري، في حال عاد إلى بيروت، لن يحمل معه عصا موسى لحل أزمات البلد دفعة واحدة، ولن يكون معه مصباح علاءالدين ليلبي حاجات الناس وطلباتهم الملحة، ولكن وجوده في بيروت أصبح أكثر من ضرورة، لأنه يساعد على إطلاق دينامية سياسية قد تؤدي إلى تحقيق أكثر من اختراق في جدار الأزمات المتراكمة، ويعمل في الوقت نفسه ليس على ضبط حركة كتلته النيابية وحسب، بل وعلى إطلاق أجواء مناسبة لاستنهاض جمهوره، وإخراجه من الكبوة التي هيمنت على مشاعر بيئته في السنوات الأخيرة. إضافة إلى أن وجود رئيس تيار المستقبل على مقربة من حلفائه من شأنه أن يُعيد تنشيط الدم في شرايين جبهة 14 آذار المتداعية.
وما زالت مشاهد زيارتي الحريري الخاطفتين إلى بيروت في الذكرى العاشرة لاغتيال والده الشهيد، ولمتابعة تنفيذ هبة المليار السعودية للجيش والقوى الأمنية، ماثلة في الأذهان، وخاصة بالنسبة لمناخات الارتياح والتفاؤل التي أطلقتها في طول البلاد وعرضها، عند الخصوم السياسيين، كما عند الحلفاء والأنصار.
فكيف إذا كانت العودة، هذه المرة دائمة ونهائية!
* * *
رب متسائل: كيف يعود، قبل أن يعالج الأزمة المالية التي تتخبط فيها «سعودي أوجيه»، وتحاصر مؤسساته الأخرى، وتعيق تحركه السياسي؟
والجواب أن الوضع الأمني يجب أن يسبق كل الاعتبارات الأخرى، وإذا كانت السنوات الماضية لم تشهد حلولاً للأزمة المالية، فإن وجود سعد الحريري في بيروت سيخلق واقعاً جديداً، قد تتبدل معه الكثير من الظروف والمعطيات، وتؤدي إلى تحقيق الانفراج المنشود.
وأصداء كلمات الصديق مروان حماده أقوى من أن تخبو بسرعة: «عُد إلى لبنان. أنت الحبيب وأنت القائد، بل أنت الثورة قبل الثروة، وجودك بين محبيك في لبنان ثروة طائلة!».
واللبيب من الإشارة يفهم!