IMLebanon

الدول تضغط لتمرير «مكافحة الارهاب»

غمرت الملفات العالقة دفعة واحدة النقاشات السياسية بحثا عن حلول للازمات التي ما ان تلوح في افقها بوادر ايجابية حتى تعود الامور الى مربعها الاول، لتشذ عن تلك القاعدة مسألة رواتب العسكريين، التي سارع المسؤولون السياسيون الى تداركها نتيجة الضغوط المعنوية الكبيرة التي مورست، فيما يبدو ان دائرة النقاش في ملف النفايات عادت الى دائرة حل الترحيل الموقت بعدما سدّت كل ابواب حلول المطامر، على وقع انعقاد جلسة الحوار، وطاولة هيئة مكتب مجلس النواب غاصت في اجتماعها الثاني في بنود جدول اعمال جلسة «تشريع الضرورة» غير المؤمنة ميثاقيتها حتى الساعة، على رغم اصرار الرئيس بري على عقدها تلافيا للمحظور الواقع حتما اذا لم يشرّع النواب قوانين باتت اكثر من ضرورية، رغم ادراج قانون استعادة الجنسية على جدول اعمال الجلسة وغياب قانون الانتخاب عنه.

ففي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن جدول أعمال الجلسة التشريعية واقتراحات ومشاريع القوانين التي يفترض ان تقرّ، وفي طليعتها المواضيع المالية من هبات وقروض، تحمل في طياتها ازمة قوانين تتعلق بمكافحة الارهاب، في ظل الحديث عن قطب مخفية في الكواليس تتعلق بابعد مما هو ظاهر تصل الى واشنطن والامم المتحدة ربما.

وسط كل ذلك ادرجت مصادر سياسية واسعة الاطلاع زيارة مساعد رئيس وكالة الاستخبارات الاميركية الى لبنان، والذي بحث مع المسؤولين السياسيين الذين التقاهم، مسائل في غاية الدقة والاهمية، ترتبط بالاجراءات الدولية المتبعة في الحرب ضد الارهاب وتجفيف مصادر تمويل الجماعات الارهابية، بعدما تخلفت بيروت عن الوفاء بالالتزامات التي قطعتها ، كونها «عضوا مشاركا» في المؤتمرات الدولية الخاصة بهذا الموضوع، كما في التحالف الدولي القائم وان لم تكن مشاركة في العمليات العسكرية، الا انها تستفيد من برنامج المساعدات العسكرية واللوجستية المقدم للدول المعنية من قبل المجتمع الدولي وفي طليعة دوله الولايات المتحدة الاميركية.

وتؤكد المصادر ان تلك الزيارة، في هذا الجزء منها، انما اتت تتويجا للاتصالات الدورية التي اجراها اكثر من مسؤول مالي اميركي، وبعد سلسلة مراسلات بين المصرف المركزي والسلطات النقدية الاميركية التي فرضت قيوداً صارمة على التعاملات المالية، كما انها اتخذت سلسلة «اجراءات تنفيذية» استهدفت مصارف لبنانية، على خلفية عمليات مالية مشبوهة وتبييض عملات، ما كاد يهدد اقوى القطاعات الاقتصادية الوطنية، والتي افضت الى ضرورة معالجة الامور بسرعة والالتزام بالمعايير والاجراءات المفروضة، والتي في مقدمتها: اتفاقية الأمم المتحدة الرقم 1999 المتعلقة بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، القانون 318 المتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب واللوائح المفروضة، حيث يكون لدى كل دولة لائحة بالإرهابيين المصنفين دولياً، التريّث بإدخال الأموال النقدية عبر الحدود، تبادل المعلومات بالنسبة للتهرّب الضريبي، مدرجة هذه القوانين تحت عنوان «القوانين الاقتصادية والمالية» التي تحدث عنها وزير المال علي حسن خليل، في أكثر من مناسبة لا سيما خلال كلمة له في إحدى ليالي عاشوراء، يضاف الى ذلك أن الرئيس بري يدرك دقّة الوضع ويسعى الى إدراجها، لافتة الى أن معظم دول العالم قد أقرّت هذه الإقتراحات، ويبدو أن لبنان الى جانب بنغلادش بالنسبة الى هذا الموضوع اي انه لم يقره، في حين أن سوريا ورغم كل ما تعانيه من أزمات قد أقرتها.

وفيما شددت المصادر على أن وجود لبنان ضمن المجتمع الدولي يفرض عليه إقرار هذه المشاريع التي كانت أقرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وأحالتها الى المجلس النيابي، قبل ان يضاف الى لائحة الدول غير المتعاونة، بعد سلسلة التحذيرات التي تلقاها، كشفت ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تدخل لدى منظمة «غافي» طالباً منح لبنان مدة ثلاثة أشهر قبل إدراجه على تلك اللائحة، طرح الموضوع في الاجتماع الأخير مع جمعية المصارف وطلب منها توعية المسؤولين والنواب حول دقّة هذه التشريعات الأربعة، مشيرة الى أن «غافي» ستجتمع أوائل شباط المقبل من أجل النظر في تجاوب لبنان بإقرار هذه التشريعات.

لكن هل يعني ذلك ان المسألة في طريقها الى الحل؟ ترد المصادر مستدركة، انه حتى الساعة وبحسب المداولات والمشاورات لا شيء يؤشر الى ان تلك القوانين ستدرج على جدول اعمال الجلسة التشريعية، في ظل اعتبار بعض الجهات السياسية ان صفة الضرورة لا تنطبق عليها، خلافا للواقع الضاغط، مبدية اعتقادها ان العقدة المخفية في الموضوع تكمن حول ضرورة تعريف واضح للارهاب، الامر الذي يثير اشكالية كبيرة في الوقت في ظل الانقسام العمودي الذي تعاني منه البلاد، وعدم تطابق وجهة نظر فريق سياسي اساسي في البلد مع تعريف الدول الاخرى للمفهوم، من حيث تمييزه بين المقاومة والارهاب، محذرة من أن عدم إقرار تلك المشاريع سينعكس سلباً على سمعة لبنان الخارجية، لا سيما لجهة تعاطي المؤسسات المانحة معه، كما سينسحب ذلك ايضاً على القطاع المصرفي الذي يكاد يكون الوحيد الصامد في ظل تراجع كل المؤشرات الاقتصادية والمالية أكان في القطاع الخاص او العام، ليضاف الى ذلك الإنعكاس السلبي على التصنيف السيادي للبنان الذي يرخي بظلاله على الإصدارات الدورية.