IMLebanon

الدول نحو “التحلُّل” والمنطقة نحو حروب

الأوضاع الأمنية والسياسية المتفجّرة في الشرق الأوسط تُقِلق عدداً من الباحثين الأميركيين الجديين في واشنطن. فهم يرون أنه الآن في مرحلة تكوّن الغيوم والسحب السوداء في فضائه، الأمر الذي ينذر بعاصفة قوية وكبيرة و”كاملة الأوصاف”. ذلك أن الإرادات المتصارعة للاعبين الإقليميين المتنوّعين وصلت إلى مستوى من التناقض والتنازع يهدد بإشعال الأجواء “الثقيلة” أساساً. ومحاولات أي من هؤلاء اللاعبين فرض إرادته على الآخرين بواسطة معارك حربية غير متناسقة وغير معدّ لها كما يجب أوصلت الجميع إلى مأزق. وذلك يهدد بدفع الحالة القائمة من التدهور المنتشر إلى مستويات أعلى. فضلاً عن أن غياب أي محاولة جدية في الأفق لإجراء مصالحــــة بين الأجنــدات المتصارعة في المنطقة أو بين أصحابها لا بد أن يدفع كرة اللهب في كل اتجاه.

حتى الآن، يلفت هؤلاء، كانت العمليات الحربية غير المتناسقة، السلاح المفضّل عند الجميع. فـ”فيلق القدس” الإيراني هرع إلى سوريا والعراق لمواجهة المجموعات المناهضة لنظاميهما والمؤيّدة من العرب، كما لمواجهة الثائرين السنة، و”حزب الله” أرسل مقاتليه إلى سوريا وقاتل منظمات سنّية داخلها وفي لبنان، والعراق أرسل إليها ميليشيات شيعية لمواجهة “داعش” ولمعاقبة العرب السنّة الذين يدعمونه، واليمن يبدو حالياً على حافة كارثة، في حين أن ليبيا وقعت فيها. أما تركيا فتبدو مذهولة وربما مصعوقة من النهوض أو الصعود الكردي، وهي تحاول تصوّر نتيجة صعود “داعش”.

في هذه الصورة الدموية المرسومة أعلاه، تظهر، في رأي الباحثين أنفسهم، مؤشرات لمنطقة تنحل (تتفكّك وتتفتّت)، ولجهات كثيرة تحاول أن تقتطع منها ما تعتبره لها. وفي “حفلة” من هذا النوع من الطبيعي أن يكون المدعوون إليها قوى إقليمية ولاعبون محليون لهم انتماءات إقليمية.

في هذا الإطار، يشدّد هؤلاء، يجب وضع الصراع السني – الشيعي لكي يمكن فهمه. ذلك أن الشيعة والسنة عاشوا منذ قرون في الشرق الأوسط بسلام فلماذا بدأ الصراع اليوم؟ (ينسى الباحثون أن المذهبين تصارع المنتمون إليهما منذ فجر الإسلام أكثر من مرة أو لا يعرفون). علماً أن القمع الوحشي للأسد لمعارضيه السنة كان سيحصل مع العلويين لو ثاروا عليه أيضاً. وهذا ينطبق على كل الحكام. في أي حال إن الانزلاق نحو حرب إقليمية في المنطقة بدأ. وساهم في ذلك انهيار الأنظمة في عدد من الدول وخسارة شعوبها المناعة ومسارعتها وغيرها إلى دعوة قوى إقليمية لملء الفراغ أو للحماية. وطبيعي أن ينتهي ذلك بحرب نظامية بين القوى المذكورة والدول.

وفي المنطقة شرارات كثيرة جاهزة لإشعال حروب كهذه. فالجبهة اللبنانية – الإسرائيلية يمكن أن تكون شرارة وكذلك إرسال إيران قوات لنصرة الأسد، وإغلاق الحوثيين في اليمن باب المندب ومضيق هرمز، والانفجارات في المملكة العربية السعودية المنسوبة إلى عراقيين شيعة بصرف النظر عن صحة هذه النسبة، ودخول تركيا شمال سوريا والإدعاء أنها كانت أراضٍ عثمانية، ووقوع اشتباكات أو احتكاكات على الحدود المصرية – الليبية والحدود اليمنية – السعودية أو أي حدود أخرى، وهجمات إرهابية في شمال أفريقيا وفي ممرات النفط. فالمنطقة إذاً، يستخلص الباحثون، هي مثل الغابة الجافة جداً التي يُنذِر جفافها باشتعــال النار فيها، بغض النظر عن أسباب الحريق.

ما العمل؟ يسأل الباحثون الأميركيون إياهم؟

تراكم العوامل التي قد تطلق انحلال المنطقة أو تفتّتها، يجيب هؤلاء، يثير الذعر في العقول والنفوس. فالمحنة (“الخبيصة”) كبيرة ومعقّدة ويصعب الخروج منها، وفي الوقت نفسه يصعب السماح بانفجارها المدمّر. والحل الوحيد الممكن في هذه الحال هو محاولة وقف التدهور وتهدئة الوضع وجعل الأزمة قابلة للإدارة ريثما تتوافر ظروف معالجتها. وعلى الأطراف الإقليميين كلهم معرفة أن مزيداً من التدهور قد يثير غضب المجتمع الدولي ويفتح آفاق محاولة وقف المواجهة بوسائل سلمية بواسطة جهود دولية. وقد تتبع ذلك مبادرات دولية متوازنة لفتح حوار أو حوارات بين القوى الإقليمية وبعض القوى المحلية. ولا يفيد هنا تنصّل “العالم” من السعي إلى إيجاد حلول بالتذرّع انها ليست حربنا ولا علاقة لنا… ذلك ان استمرار المواجهات وتحوّلها حروباً واسعة يؤذيان الجميع. والشرق الأوسط يقترب حالياً من هذه المرحلة.