غربة عن الذاكرة وتلوّن وفق الأزمنة
تماثيل لبنان نسخة حجرية عن واقعه وأشخاصه. هي من الحجر نعم لكنها اقل تحجراً ممن نصبوا أنفسهم تماثيل أبدية فوق رؤوس اللبنانيين. بعضها يروي تاريخه وصنّاعه ويشكل ذاكرة لأحداث عاشها وأخرى فرضت عليه وقلّة صنعها بنفسه وبعضها الآخر ينطق بدينامية شعبه وقدرته على الالتفاف على تماثيله الحية وتحديها بالفن والخلق والإبداع. تماثيل لبنان إن حكت لقالت الكثير عن شعب ينسى ماضيه ويتفرج على حاضره.
قصة الشاب الذي حاول تحطيم تمثال لامرأة عارية في منطقة الرملية مؤخراً فتحت الأعين على واقع التماثيل في لبنان وأعادت الى الأذهان جدلية قديمة بـأوجه دينية وعقائدية وثقافية حول أهمية التماثيل كذاكرة للوطن تخلد شخصياته وانجازاتهم أو كتأليه لقادة فرضوا هيمنة سياسية على لبنان تلونت بتلون الأزمنة او كأعمال فنية ذات قيمة جمالية إبداعية وحسب.
صحيح أن لبنان ليس كالدول الأوروبية و الغربية حيث لكل ساحة وناصية تمثالها لكنه أيضاً ليس صحراء قاحلة من التماثيل وقد عرف عبر تاريخه نماذج مختلفة منها. دينية، تكريمية او فنية يضم لبنان أكثر من 500 تمثال أو نصب موزعة على ساحاته و شوارعه في معظم مناطقه (عدا تماثيل القديسين في القرى وأمام الكنائس) قد لا نتنبه لمعظمها ويكاد بعضها رغم ضخامة حجمه أن يكون غير مرئي فنحن شعب نعاني من فقدان الذاكرة المزمن. ننسى رجالاتنا، وننسى إنجازاتهم كما ارتكاباتهم وننقسم حولها. ندرّس كبارنا في المدارس ثم نمحوهم من ذاكرتنا ليصبح اسمهم ضبابياً يكاد لا يعني لنا شيئاً. في بلدان العالم يكرمون عظماءهم بالتماثيل والنصب فلا يعود التمثال حجراً جافاً أو معدناً بارداً بل يتشبع بحنين الذاكرة وقدسية التكريم ليكون قيمة حاضرة دوماً في يوميات الناس وذاكرتهم. تماثيل الغرب ثقافة يكتسبونها صغاراً وترافق حياتهم، يحاولون استعادتها اينما حلوا لذا تراهم حين يأتون الى لبنان يعرفوننا بتماثيل لنا نجهلها أو نتجاهلها. يتحدثون عن تمثال جبران خليل جبران النصفي القابع أمام الإسكوا فنخجل أن نروي لهم أنه تسبب بأزمة بين الرئيسين لحود والحريري وأنه احتاج لتصاريح من قبل كل من شركة سوليدير، وبلديّة بيروت، ومحافظ العاصمة، ووزارة الداخلية، ووزارة الثقافة…يسألوننا عن تمثال لعاصي ومنصور الرحباني وفيروز فنحتار في إعطاء تبرير لغياب عظمائنا عن الساحات لكننا نروي بفخر أننا أقمنا أكبر تمثال للسيد المسيح في العالم.
مار متر منافساً
فلبنان الذي بات مدمناً على كتاب غينيس صار يبحث عن أفعل التفضيل في كل تماثيله ولم يعد يرضى لقديسيه إلا بتماثيل تتحدى العالم بأكمله. فعندنا أكبر تمثال للقديس شربل يرتفع فوق أعلى تلة في فاريا، وعلى أرضنا أكبر تمثال للسيد المسيح يتربع على قمة جبل الرحمة في غوسطا وقد استغرق مشروعه سنتين بحسب مهندسه ومصممه طانيوس عواد وهو أضخم من تمثالي سيدة حريصا ويسوع الملك الذي أردنا أن ننافس به البرازيل يوماً. ولا شك أننا سنشهد(إذا تخطينا أزمتنا الحالية) على ولادة أكبر تمثال لمار مارون وإذا “شدينا حالنا” قد نعمل على أكبر تمثال لمار متر ننافس به روسيا الأرثوذكسية وروسيا البيضاء وكل ما ضمه الاتحاد السوفياتي سابقاً من دول.
تمثال السيدة العذراء في حريصا الذي وصل من فرنسا عام 1906هو أشهر التماثيل في لبنان لا بل هو رمز تعبد وتقوى عند الكثيرين من ابنائه مسيحيين ومسلمين. لكن يستذكر بعض الكسروانيين قصة «دوران» تمثال السيدة العذراء في حريصا إبان إحدى الحقبات الماضية: فالعدرا التي كانت تتطلع صوب البحر استدارت نحو بيروت، بعضهم اعتبرها أعجوبة اجترحتها السيدة العذراء. أما العارفون في زواريب المعارك الانتخابية ففهموها مناورة سياسية تدخل في صلب الحملة التي قادها الشيخ بيار الجميل حينها في انتخابات نيابية غير معهودة، وكانت السبب الأساسي في كسب معركة الحلف الشهيرة.
ولكن مما لا شك فيه أن للتماثيل الدينية في لبنان بعداً روحياً وثقافياً وتاريخياً ارتبط بالهوية المسيحية وترسخها في أرض لبنان وكان شاهداً على العلاقة الوثيقة بين المسيحيين وعقيدتهم. ومن النادر أن تزور ضيعة مسيحية في لبنان إلا وتجد فيها تمثالاً لشفيعها، يروي أهلها كم مرة حمى القرية من كوارث وأحداث كادت تفتك بها وبأهلها لولا وقوفه عيناً ساهرة عليها. ولا يقتصر تكريم تماثيل القديسين على المسيحيين فحسب بل ثمة نصب ومزارات تجمع حولها اللبنانيون على اختلاف طوائفهم كما تشهد زواراً من البلدان العربية المجاورة وصولاً الى إيران. فتمثال السيدة العذراء في حريصا بات رمز وطن تتطلع صوبه عيون اللبنانيين في الايام الصعاب وتشكره قلوبهم على كل نعمة نالوها بشفاعته أما القديس شربل فتمثاله في باحة دير مار مارون عنايا رمز مقدس يجترح الأعاجيب فيما هو في فاريا وحمانا مزار للسياحة الدينية. تماثيل مار “مطانيوس” في قرى لبنانية عدة هي الملاذ لكل من يبحث عن ضائع فيما تماثيل مار الياس حامل السيف هي رمز الهيبة والسطوة. ويبقى تمثال العذراء الصغيرة في مرفأ الصيادين في صور معلماً سياحياً يستقطب زوار المدينة ويذكر بحورية كوبنهاغن الشهيرة.
رؤساء خالدون لتماثيل زائلة
إذا كان قديسو لبنان وتماثيلهم ذخر وذخيرة لأهله، فسياسيوه شياطين تتلون تماثيلهم وفق الأزمنة فتنتصب حيناً وتهوي حيناً آخر، يقدّسها محازبون ويدنّسها معارضون فيشوهونها ويكسرونها ويقطعون أطرافها ورؤوسها ليعيد الأولون تنصيبها من جديد. وتماثيل جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وابنائه كما تماثيل بعض رؤساء الأحزاب في لبنان خير دليل على دوران الأزمنة السياسية. فجمال عبد الناصر الرئيس الخالد الذي انتشرت تماثيله في لبنان أبان صعود الناصرية وكان أشهرها ذاك الواقف في مواجهة البحر في منطقة عين المريسة شهد موجة من التنكر والنكران بعد سقوطه فسقطت معه تماثيله اللبنانية وتعرض معظمها للتفجير والنسف والانتقام، في عين المريسة كما عند مدخل بعلبك وفي قب الياس والضاحية الجنوبية والطريق الجديدة وأماكن اخرى. لكنه أعيد الى قاعدته في عين المريسة لوحة حجرية في اواسط الحرب اللبنانية.
خلال الحقبة السورية في لبنان ارتفعت تماثيل لا تحصى لقائدنا الى الأبد وآل الأسد أجمعين وأشهرها كان تمثال لباسل الأسد يمتطي حصانه في شتورة غير آبه لسيارات تعبر مسرعة بالقرب منه وشاحنات تهدر حوله. لكن انسحاب سوريا القسري من لبنان انسحب على تماثيل حقبتها، تهشيماً حيناً وإزالة أحياناً واما تمثال باسل الاسد الشهير فقد نزعته المخابرات السورية ونقلته معها عند انسحابها في 25 نيسان 2005.
وبعيد عن التشبيه نذكر ما تعرض له تمثال الشيخ بيار الجميل عند مدخل بكفيا من نسف ثم إعادة رفع وتثبيت وما واجهه من تعديات تمثال شهداء الأرمن على طريق بكفيّا للفنان زافين هاديشيان…
ولكن شيطنة التماثيل السياسية لا تنفي وجود وجوه تاريخية كانت ولا تزال رغم الخلافات حول كتاب التاريخ رموزاً وطنية وتاريخية يتوافق حولها وحول تماثيلها كل اللبنانيين.
يوسف بك كرم هو أحد تلك الوجوه المشرقة والثائر الأول ضد الظلم والتعنت العثماني وتمثاله واحد من أقدم التماثيل في لبنان ارتفع في إهدن بالقرب من كنيسة مار جرجس في أيلول سنة 1932 ولم ينزل عن صهوة جواده الا بعد 87 سنة لترميمه في محترف بصبوص وقبله كان الأمير فخر الدين سلطان البر وأمير الجبل والجليل وباني لبنان الحديث أول وجوه لبنان المشرقة وكما تتغنى فرنسا بنابليون فإن لبنان يتغنى بأميره وقد يكون تمثاله المنتصب على صهوة جواده أمام وزارة الدفاع والذي وضع هناك في أواسط التسعينات الوحيد بين التماثيل التي تحفر عميقاً في الوجدان اللبناني على غرار تماثيل كبار القادة في معظم ساحات العالم..
رجال الاستقلال بين الساحة والتقاطع
إذا كان زمن يوسف بك كرم هو زمن البطولات فزمن الاستقلال هو زمن التسويات ورجاله حاضرون في الساحات بقدر حضورهم في وجدان طلاب لبنان وكتاب تاريخه الذي يجتر نفسه في الشهادات الرسمية. بشارة الخوري رئيس الاستقلال الأول الذي عرفه لبنان بجناحيه المسلم والمسيحي لم يتعرف إليه ولداه حين رأيا تمثاله منتصباً في التقاطع الذي يحمل اسمه ولم يعجبهما ولكنهما اختارا العض على الجرح البنوي قائلين ” بكرا منتعود عليه”. وهذه الحادثة تروى عن الشيخ بشير الجميل الذي قال “مثلما تعود أبناء الشيخ بشارة الخوري على تمثال والدهم هكذا بعض اللبنانيين لن يعجبهم بشير ولكن سوف يتعودون عليّ خلال رئاستي”.
والتمثال نسف أبان الحرب اللبنانية ثم أعيد نحته وأعيد الى مكانه بعد نهايتها ليصبح شاهداً أخرس على مدينة فقدت روحها ونبضها عند تقاطع طرق تعلو فيه فوضى السيارات وزماميرها.
مثله يقف تمثال أحد أبرز رجال الاستقلال حبيب أبي شهلا في ساحة الأونيسكو. رجل من حديد لا يستهان بحجمه بنظارة وشاربين يقف على مفترق طرق يكاد لا يراه المارة او يتعرفون على صاحبه رغم ضخامة حجمه وحسن سيرة الرجل وانجازاته الاستقلالية. انصهر مع المنطقة وصار معلماً من معالمها لا يثير في النفوس انفعالاً كالرصيف او الشجر قلة تعرفه وتتذكر ان اسمه مر يوماً في كتاب التاريخ.
أكثر منه حظاً رياض الصلح الذي يرتفع له تمثال في وسط الساحة التي تحمل اسمه. فقد تفوق على زميله الميثاقي ولم يقف على تقاطع طرق يسير باللبنانيين في كل اتجاه بل بات ساحة تجمع في أرجائها الثائرين الناقمين على الجمهورية الثانية خليفة دولة الاستقلال. صحيح انه هجر الساحة بين عامي 1975 و 1990 لكنه عاد إليها بطربوشه البيروتي ووقف زاهداً بالحكم يدير ظهره الى السراي وينظر مقطب الجبين الى أبناء بيروت والمناطق يحتجون، يطالبون، يثورون ويتوحدون تحت أنظاره..
وليس بعيداً خلف رياض الصلح يرتفع تمثال لأحد أبرز وجوه بيروت في فترة ما بعد الحرب وقبل الثورة، الرئيس الشهيد رفيق الحريري. في الحديقة الخارجية للسراي الكبير الذي أعاد بناءه يقف ناظراً الى بيروت ويده في جيب بنطلونه البرونزي كأنه يخفي فيه حقيقة ما. حقيقة ربما يكشفها التمثال الآخر له الذي وضع امام فندق السان جورج حيث اغتاله زلزال شباط 2005. هنا يقف الحريري في ساحة استقطعت له، داساً يديه في جيبه متأملاً مكان اغتياله والى جانبه يرتفع نصب متطاول مليء بالفتحات والثقوب لا يفهم الهدف الحقيقي من وجوده الى جانب الرئيس الشهيد. وكما ترافق اغتياله مع انقسام عمودي بين ابناء لبنان اثار وضع تمثال الرئيس الحريري أمام الفينيسيا الانقسام نفسه بين مؤيد له ومعارض. ولكن سواء أيدنا أم عارضنا سياسة الرجل لا يمكن أن ننكر وفق رأي الخبراء أن التمثالين حافلان بالأخطاء الهندسية والنحتية التي يعتبرها بعض المتمرسين بالنحت عاهات لا تغتفر.
وتكثر تماثيل الكبار الموزعة في مناطق لبنان مثل تمثال فؤاد ارسلان على طريق الشويفات وتمثال الشاعر خليل مطران عند مدخل بعلبك الجنوبي والزعيم الدرزي كمال جنبلاط في المختارة ورأس المتن والشاعر احمد شوقي عند مدخل البردوني في زحلة والخوري الحايك عند المستديرة التي تحمل اسمه في سن الفيل والصحافي الشهيد سمير قصير في حديقة النهار. ولا ننسى تمثال المغترب اللبناني قبالة مرفأ بيروت، الذي يمثل أنطونيوس بشعلاني ابن بلدة صليما المتنية والذي يبدو وكأنه وضع هناك ليذكّر اللبنانيين باستمرار بأن لبنان هو بلد الاغتراب وان الهجرة قدر لا مفر منه وقد يكون الوحيد بين التماثيل الذي يتفاعل معهم اللبنانيون بصدق رغم شرواله ولبادته وقد افتتحت الجالية اللبنانية في المكسيك وتحديداً في فيرا كروز تمثالاً توأماً للمغترب اللبناني بالتزامن مع افتتاحه في بيروت.
أما المرأة فتغيب تكريماً عن تماثيل لبنان وتغيب اسماء الرائدات عن الساحات. وإذا كان الأمر مفهوماً في السياسة حيث يترافق غياب تماثيلها مع غياب أي دور سياسي لها، ففي الأدب والفن والشعر لا نلمح لتماثيلها أثراً. فأين فيروز وصباح واين إيملي نصرالله وأدفيك شيبوب وأين نظيرة جنبلاط وناديا تويني بل أين الأميرة نسب والست سعدى؟ ربما نشهد قريباً تماثيل لسيدات الحكومة الديابية تكريماً لدورهن في إنقاذ البلد؟
منحوتات فنية وصور سياحية
على ناصيات الشوارع وفي الساحات ومداخل البلدات والبلديات ترتفع تماثيل كثيرة لنحاتين لبنانيين معروفين او لفنانين ونحاتين أجانب. بعضها يحمل معاني ترتبط بأحداث عاشتها المنطقة وبعضها الآخر تزييني بحت. بعضها موفق يتميز بقيمة جمالية وفنية يُشهد لها وبعضها الآخر “زوعة” على ما يقال بالعامية او فزاعات يخشى الصغار المرور جنبها”. “ابتسم أنت في الذوق” عبارة فرحة يرافقها تمثال غريب عجيب (كالرأس المذبوح) ينسيك البسمة لشدة غرابته ولمعاني التهويل التي يتضمنها ويعود للنحات الشاعر رودي رحمة. ساحة 7 آب على مستديرة العدلية ترتفع في وسطها منحوتة تخلد الذكرى عبارة عن قبضة من حجر تقبض على علم لبناني متحجر هو الآخر ويعلوه تاريخ 7 آب وكأنها قبضة الثورة قبل الثورة وكأن ما كان رمزاً مقدساً حينها بات مشتوماً اليوم.
تمثال الرصاص عند مدخل عين الرمانة شاهد فني على الحرب اللبنانية ومثال لرمزية المنطقة ومقاومتها، أراد له صانعه الفنان سامي حاتم ألا يكون جميلاً، فالرصاص لا يمكن ان يكون جميلاً والشهادة على قدسيتها مؤلمة، واليوم ورغم احتفالات تكريمية تقام حوله بين الحين والآخر فقد النصب تلك الهالة القدسية التي كانت له وبات كمعظم تماثيل الحرب التي تكرم الشهداء والمقاتلين ذكرى باهتة في وجدان اللبنانيين.
منحوتات وتماثيل نحتها فنانون كبار من عندنا: رودي رحمة، الإخوة بصبوص، إميل عياش، برنار غصوب وغيرهم. أمهات او نساء عاريات في حدائقنا العمومية وساحاتنا قد يعمد معتوه الى تحطيمها والانتقام منها للتنفيس عن مكبوتاته، ومنحوتات تجريدية او سوريالية، من الصخر، والمعدن، أو من النفايات المعاد تدويرها نقف أمامها في زمن السوشال ميديا، لا لنتأمل قيمتها الفنية بل لنأخذ الصور بقربها ونكون سواحاً في بلدنا مثلنا مثل الأوروبيين والسيرلنكيين والمغتربين و”ما حدا أحسن من حدا”. نتفرج على حاضرنا الفني والثقافي ببرود ونتخاصم على حاضرنا السياسي بحرارة و حماس.
تمثال الشهداء يبكي مرّتين
هل تعرفون ان تمثال الشهداء رمز مدينة بيروت وسيد ساحتها لم يكن على هذا الشكل في البداية؟ ففي ظل الانتداب الفرنسي على لبنان تم وضع نصب تذكاري في ساحة الشهداء عام 1930 يحمل اسم «الباكيتان» من أعمال النحات المعروف حينها يوسف الحويك. وهو يمثل سيدتين واحدة مسيحية وأخرى مسلمة تذرفان الدمع في وعاء مشترك وذلك للدلالة على حزنهما المشترك على الشهداء. ولكن هذا التعايش الباكي لم يعجب عصبة المدافعين عن الشهداء فقامت بتحطيم التمثال الذي يرمز الى الخنوع فأزيل من مكانه ليقوم الرئيس فؤاد شهاب في العام 1960 بتدشين التمثال الجديد للشهداء كما نعرفه اليوم والذي لم يخل من المعارضة كونه يحمل رموزاً غربية. وأثناء الحرب تعرض تمثال الشهداء لما تعرض له من رصاص وثقوب فأزيل من مكانه وحمل الى جامعة الكسليك لإعادة ترميمه. وعام 2004، ارسل الرئيس لحود شاحنات الجيش اللبناني لإعادة تمثال الشهداء الى مكانه في وسط العاصمة بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال. ووفق ما رواه موقع now lebanonوُضع التمثال المرمم مباشرة على الأرض وكان الهدف احراج الرئيس الحريري (والكل يعلم بالكباش السياسي المستعر وقتها)، ليعود الحريري لاحقاً ويقدم قاعدة ارتفع فوقها التمثال كما نعرفه اليوم. ويقال أن التمثال يومها بكى مرة ثانية لحالة التعايش المبكية في لبنان.