Site icon IMLebanon

باقٍ وأعمار الطغاة قصار

«كأنما أمة في شخصك اجتمعت وأنت وحدك في صحرائها مطر أظنها طلقات الغدر حين هوت تكاد لو أبصرت عينيك تعتذر هذا علي يصلي فوق مسجده فيا ابن ملجم اضرب إنه قدر« (شوقي بزيع )

ليعذرني كل الرفاق والأصدقاء الذين يتغزلون بالإعتدال ويزينونه وهم يصفون محمد شطح بكل تلك الصفات الإنسانية مغفلين القضية الأهم وهي أن عمق فكر محمد وتصرفاته اللطيفة والمهذبة تجعله أكثر صقور قوى الرابع عشر من آذار تأثيراً ووضوحاً في الرؤيا. واليوم أراه يبتسم متأسفاً ومشفقاً على من أساؤوا فهم هدوئه وتهذيبه ورجاحة عقله بأنها اعتدال.

ليعذروني لأن محمد شطح لم يكن معتدلاً بشيء، فليس من الإعتدال أن يقرر أحدهم مواجهة الأسطورة في عالم تحكمه الأساطير.

منذ الصغر كان يمر كالظل على متجر والده في باب التبانة في صعوده ونزوله على الدرج الطويل باتجاه «مدرسة الأمريكان« في القبة، صحواً أو مطراً ليتعلم كيف يواجه الأساطير. ومن هناك انطلق إلى الجامعة ليحيا بين النظريات والأرقام والإحصاءات والإحتمالات ليدرك أن اليقين المطلق ليس إلا جزءاً من الأسطورة، وأن الحقائق ليست إلا توافقات، وأن الحقيقة المطلقة إن ثبتت في مكان فلا يمكنها أن تثبت في الزمان.

كان بإمكانه البقاء هناك في عالم الأرقام والإحتمالات والأدلة والبحوث العلمية، لكنه عاد إلى لبنان عندما لاحت له فرصة لمواجهة الأساطير، مع أنه كان يعلم قوتها وعمق تجذرها في نفوس الناس، وكيف أنها احتلت المساحة الأكبر من العقول ولم تترك للمعرفة إلا القدر القليل من المجال.

يوم السابع والعشرين من كانون الأول، لم يخطر ببال أي منا أن الأسطورة نفسها اغتالت محمد، لم يقدّر أي منا حجم الخطر الذي شكّله على هذا العالم الغارق في الفرضيات الفارغة والمسلّمات المضحكة والتوحش المقدس.

لم يكن محمد يعتقد بأن رسالة واحدة وضع نصها كانت قادرة على أن تدفع الأسطورة الى أن تصدر القرار بإعدامه، كما أصدرت القرار بإعدام رفيق الحريري وآخرين من قادة ثورة الأرز.

لكن مَن قتل محمد يحيا على الأسطورة، وعقائده مبنية على أسطورة، ويبشر الناس بناءً على أسطورة، ويموت فداءً لأسطورة، ويقتل ويدمر بناءً لفتوى من أسطورة. هم ببساطة بجريمتهم يدافعون عن وجودهم النابع من كذبة كبرى وتجسده بأسطورة.

غداً ستفنى الأسطورة القاتلة كما فنت أساطير قبلها ويبقى العلم والمعرفة وهما على مثال محمد شطح.