ما أن نتقدّم خطوة في مسار التهدئة الداخلية حتى نتراجع أشواطاً، وكلّما تمّ تحييد ملف خلافي بشكل آني، تنفتح أبواب جهنم من حيث لا ندري، أو ندري، ونعجز عن إغلاقها!
فما أن سُجِّل تقدّم في الحوار بين المستقبل وحزب الله، حتى تنفّس الناس الصعداء، بالرغم من تأكدهم أنه لن يحقّق أكثر من إشاعة أجواء تهدئة، وأمل ضعيف بتحييد الساحة الداخلية، عن البراميل المتفجّرة المحيطة بالوطن الصغير.
وما أن تمّ تغييب الملف السوري عن الحوار، حتى استُحضر الملف اليمني بكل قوّة، ليس من منطلق دعم حزب الله للحوثيين فحسب، بل عبر رفع لهجة العداء لدول الخليج كافة، والسعودية خاصة.
إلّا أن الإنفصام بلغ ذروته مؤخراً عندما أعقب جلسة الحوار مواقف نارية، كلّلها الحزب بإقامة مهرجان في الضاحية لدعم الحوثيين، في خطوة تعبوية تُبطل هدف الحوار، وتُعيد الخلاف إلى الشارع، أي تُعيد المشهد إلى المربّع الأول.
والمُلفت في التصعيد القائم عبثيته، حيث أن شيئاً لن يتغيّر في المواقف، بل من شأنه أن يزيد التوتّر، ويقطع خطوط التواصل من جهة، وينعكس سلباً على مصالح اللبنانيين المقيمين والعاملين في دول الخليج من جهة أخرى، دون أن يكون لهم لا ناقة ولا جمل، وفي ظل عجز حزب الله عن التعويض عليهم أو حتى تأمين فرص عمل في حال قررت هذه الدول أخذ خطوات متشدّدة تجاههم.
وأين تقع حدود الأطراف المنغمسة في حروب الغير في توريط البلاد والعباد معها؟ هل الأجندة تُملي عليهم المشاركة في كل حروب المنطقة، بغضّ النظر مع الشرعيات، أو ضدها، بما أن المبادئ استنسابية، لإفراغ لبنان من شبابه، المستشهد والمهاجر، وهدر طاقاته وتضييع فرصه في النهوض؟
وفي الجانب الآخر من المشهد السياسي، يبدو أن فصول الإبتزاز الكامنة وراء الفراغ الرئاسي المفروض لم تنتهِ، بما أن «المرشح الماروني الأقوى» إنتفض لضرورة التمديد للقادة العسكريين، منعاً للتمديد للفراغ، والفوضى، في ظل غياب التوافق في هذه الملفات، بدلاً من أن ينتفض للتعطيل الحاصل لانتخابات الرئاسة.. وهدّد بقلب الطاولة في مجلس الوزراء بدلاً من أن يقلبها في مجلس النواب الممدِّد لنفسه، في خطوة لم يجدها اعتداء على الدستور وعلى ديمقراطية النظام وحقوق اللبنانيين في محاسبة ممثليهم المزعومين!
إن إزدواجية المعايير، واستنسابية الممارسة السياسية، ضربت بمبادئ اللعبة عرض الحائط، وبات كل شيء مُباحاً ومُستباحاً، وباتت تشكّل عامل ضغط جديد على شارع، طفح كيله من 8 و14 التي بدّدت أحلامه بوطن نهائي، وفرصه في الاستقرار والنهوض الإقتصادي، وأعادت عجلته سنوات إلى الماضي المتخلِّف، على عكس «الصحراء» التي يهاجمها حزب الله، والتي تحوّلت إلى واحات إقتصادية وسياحية تؤمّن ملايين فرص العمل لمواطنيها والمقيمين فيها.. حيث انتصر مبدأ الدولة على الدويلة، والإنتماء لأجندة الوطن دون غيرها!
من يعوّض على لبنان واللبنانيين عهداً من التخلّف، ومئات الفرص الضائعة، والخسارات اللامتناهية على جميع الأصعدة؟ لعلّ الجواب في مهرجانات وخطابات نارية.. أو حتى مواجهات عبثية تُنذر بحقبة جديدة من التقهقر.. حتى إشعار آخر!