خطوات.. قبل أن يناقش عون الخطة «ب»
هل يخرج «تيار المستقبل» من «علبته»؟
لا يقدّر لكل الزعماء اللبنانيين أن يتموّجوا بسهولة بمواقفهم من أقصى اليمين الى أقصى اليسار. يتطلب الأمر مجهوداً مضاعفاً، لا بل جباراً، لتبرير هذه الاستدارة أمام ناسهم، وقد يواجهون بتأفف من جمهورهم واعتراضات غالباً ما تطوف الى خارج الكوب.
ميشال عون يفعلها من دون أن يرف له جفن. حين دق الاستحقاق الرئاسي أبواب الموارنة، فرضت عليه حسابات التوافق، المعبر الإلزامي لدخوله القصر، أن يطوي صفحة الخصومة مع «التيار الأزرق» بشحطة قلم بسيطة، ليفتح صفحة جديدة ناصعة البياض، قرر أن يخطّ عناوينها بحبر التفاهمات الثنائية.
هكذا شرّع أبوابه لموفدي سعد الحريري كما فتح صدره لشكواهم، في محاولة منه لكسب «الصوت الأزرق» لصالحه بعدما خاصمه لسنوات طوال، وتحديداً منذ قيام «التحالف الرباعي» ومن بعده «تفاهم مار مخايل» مع «حزب الله». حينها وجّه كل مدافعه واحداثياته الى بيت الوسط.
في المقابل حرص سعد الحريري على عدم التفريط بهذا التواصل المنقلب على ماضيه. وتعامل مع سياسة مد اليد البرتقالية بإيجابية، لإدراكه جيداً أن الجنرال بحاجة اليه، وهذه فرصته الذهبية ليقدم كل ما باستطاعته لكي يحافظ على العلاقة الناشئة والعمل على تمتينها.
فعلاً قدّم ميشال عون كل أوراق الاعتماد المتاحة أمامه. بهذا المعنى كان أكثر المتحمّسين لقيام حكومة تمام سلام وأكثر الساعين لتذليل عقبات ولادتها بصيغتها «الموزاييكية» الإئتلافية. كما منح كل التسهيلات المطلوبة في أكثر من محطة حكومية، لعل أبرزها مسألة التعيينات الإدارية. كل ذلك في سبيل خطب ودّ سعد الحريري، وأصواته الرئاسية.
هذا التطور في العلاقة لم يدفع «الشيخ» الى التخلي عن حلفائه المسيحيين، لكنه عرف كيف يستثمر اللحظة ليغرف من معجن التشاور المثمر مع العونيين.. من دون أن يضطر الى تقديم الكثير من التنازلات.
ولكن زمن الترف قد لا يدوم كثيراً. مع الاستحقاق الأمني ـ العسكري قد يواجه «تيار المستقبل» ساعة الحقيقة. لا يمكنه تأجيلها كثيراً، لأن الجنرال قد يوقف عقارب التقديمات إذا سحبت كل الأوراق من أمامه ودُفع به الى الخروج من المولد بلا حمص.
عملياً، يراقب ميشال عون ساعته وهو يعدّ الدقائق، مرتقباً سلّة العروض التي سيتقدّم بها الحريريون في اللحظة الأخيرة. لا يمكن لهؤلاء الاختباء كثيراً خلف ترددهم ومماطلتهم من خلال اللعب على وتر الوقت. لا بدّ لهم في نهاية المطاف أن يقولوا كلمة الفصل، النهائية.
يؤكد «المستقبليون» في مجالسهم أنّ زعيمهم لا يريد التفريط بالعلاقة مع العونيين ويتصرفون على هذا الأساس، ويدركون جيداً أنّ هذا النمط يستدعي منهم القيام بمبادرة ما ترضي ميشال عون وتبقيه راضياً عنهم. بالنسبة لهم فإنّ معادلة شامل روكز- عماد عثمان لا تنصفهم، وتصورهم أمام جمهورهم بأنهم دفعوا ثمناً باهظاً لتعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي، ويمكن لهم أن يتملّصوا من هذا الكأس.
ولهذا استغلّ الرئيس فؤاد السنيورة المنبر ليقفز فوق معادلة قيادة الجيش – مديرية قوى الأمن الداخلي، ليطرحها وفق صيغة قيادة الجيش مقابل رئاسة الجمهورية.. والا لا مجال للتسوية.
ولكن هذا لا يعني أن «تيار المستقبل» نفذ بجلده ورمى الكرة في ملعب ميشال عون ليتحمل وحده مسؤولية الفشل في تعيين قائد للجيش أو الشغور الرئاسي. أمام الشارع المسيحي، وهذا ما يعرفه «المستقبليون» جيداً، هم متهمون بالتعامل مع رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية على طريقة: «ما لنا لنا، وما لك لنا ولك». ولهذا عليهم تقديم ثمن ما.
بين أوساط «المستقبليين» ثمة كلام من نوع الحاجة الى صياغة مبادرة منصفة بحق الجنرال، تمنحه ما يُطمئنه إذا ما أريد له التنحي عن الرئاسة. ثمة ضرورة للخروج من «العلبة» التي يقفل «الزرق» على أنفسهم داخلها، ولذا لا بدّ من «مهر» ما يجب أن يدفع للرجل كي يتنازل عن ترشيحه، ويعيد صياغة مقاربته من الاستحقاق الذهبي.
بنظر بعض «المستقبليين» لا يمكن الاتكال على عامل الوقت فقط لكسر الرجل، بل لا بدّ من التحرك قدماً ومفاتحة الجنرال بسلة تفاهمات جديدة تحرك المياه الراكدة وتعيد الحياة الى المؤسسات الدستورية… تبدأ بقيادة الجيش ولا تنتهي بتركيبة اولى حكومات العهد، من دون أن يعني ذلك أن الرجل بات مقبلاً على مناقشة «الخطة ب».