أرخت الأحداث الأمنية المتفجّرة التي تضرب المنطقة بظلالها على الوضع الداخلي اللبناني وجعلت من العنوان الأمني أولوية يجب التركيز عليها قبل سواها من الملفات في الوقت الراهن، لما لذلك من تأثير مباشر على مجمل الواقع العام على الساحة الداخلية. وعلى هذه الخلفية بدأت الأجهزة الأمنية تطبيق خطة طوارئ تتناسب وتحدّيات المرحلة الراهنة وتحمل في طياتها تركيزاً على التعاطي مع الواقع الأمني بمستوى بالغ الدقّة لجهة التوسّع في أي تحقيق أو إستقصاء يتناول أي حادث أو تصرّف ذات طابع إرهابي، وعدم الإغفال عن أي تفصيل أو مؤشّر مهما كان بسيطاً وملاحقته ساعة بساعة وفي كل المناطق من دون استثناء لإحباط أي محاولات لتوتير الوضع الأمني وتنفيذ مخطّطات إرهابية رسمتها المنظّمات المتطرّفة المتربّصة بالساحة الداخلية.
وفي هذا السياق، تحدّثت معلومات سياسية عن اتساع دائرة الإتصالات بين المرجعيات ولدى أكثر من مسؤول حزبي أو رسمي للحدّ من أي تداخل بين عمل الأجهزة والسلطات القضائية مع السلطات السياسية، وذلك للحؤول دون تكرار تجارب سابقة أدّت إلى إطلاق بعض الموقوفين والمشتبه بهم بالإتصال بمجموعات متطرّفة خارج الحدود. وركّزت المعلومات على اكتمال وتكامل التنسيق بين كافة الأجهزة الأمنية للتأكّد من تورّط أي موقوف من خلال تقديم الأدلّة الثابتة إلى القضاء ليتم التعاطي معه بحسب القانون، وبالتالي، تجميع كل الأدلة الحسّية للتثبّت من الجرم المرتكب من قبل أي مشبوه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، داتا الإتصالات للهواتف المحمولة، والتي تشكّل الرابط الأكيد على تنسيق المشتبه بهم مع منظّمات إرهابية باتت معروفة. وتأتي هذه المبادرة كتعبير عن عدم وجود أية بيئة حاضنة لحالات التطرّف من أي جهة كانت، كما أضافت المعلومات، والتي أكدت أن المناخ اللبناني يشهد حالات تديّن وليس تطرّفاً إسلامياً. واستدركت لافتة إلى تواجد حالات فردية شاذة قد سُجّلت في بعض المناطق، ولكنها لا تسمح بتوفير مناخ معيّن يحتضن التطرّف الأعمى الذي يدور في فلكه تنظيم «داعش»، وذلك على الرغم من وجود نسبة ضئيلة جداً من المؤيدين للطروحات التكفيرية إلى جانب نسبة أخرى من المستفيدين من الواقع المحتقن الذي ينجم أحياناً عن هذا الفكر التكفيري.
ومن هنا، فإن نجاح المؤسّسات الأمنية في تحقيق عملية الإستنهاض الشاملة لمواجهة تنظيم «داعش» الذي بات يضع الساحة اللبنانية على روزنامته إنطلاقاً من الحدود الشرقية، يفترض، وبحسب مصادر وزارية، أن تشارك مختلف المكوّنات الطائفية والمناطقية في تحمّل المسؤولية الوطنية في الدفاع عن الكيان اللبناني، ولكن شرط أن يتم ذلك من خلال المؤسّسات الأمنية الشرعية، وليس من قبل مجموعات الأمن الذاتي التي بدأت تنتشر في أكثر من منطقة حدودية. وأكدت هذه المصادر، أن الأمن الذاتي سيؤدي لاحقاً إلى واقع فوضوي، في حين تأتي حملات التطوّع المسجّلة في أكثر من مؤسّسة أمنية لتؤدي الهدف المطلوب في تأمين جبهة متينة تعمل للدفاع عن كل المناطق وليس فقط عن مناطق معيّنة هي في واجهة الإستهداف في المرحلة الراهنة، سواء في عرسال أو بريتال أو في أي منطقة أخرى. ولذلك، فإن الإقبال الملحوظ من قبل كل المناطق اللبنانية على التطوّع في الجيش، وخصوصاً من قبل المسيحيين، تحقّق التوازن المطلوب داخل المؤسّسات الأمنية فتقطع بالتالي الطريق على كل المؤامرات الهادفة إلى التشويش على صورة الجيش من خلال محاولة الإرهابيين تضخيم حوادث فردية لا تتعدّى نسبتها الواحد في المئة، كما حصل بالنسبة لحالات الفرار التي تعدّ على الأصابع لبعض الجنود في الآونة الأخيرة.
وفي هذا السياق، أشارت المصادر الوزارية إلى تقدّم نحو 14000 متطوّع إلى دورة أعلن عنها جهاز أمن الدولة، وطلب فيها 500 عنصر، مما يشكّل دلالة على أن البيئة اللبنانية هي حاضنة للمؤسّسات وليس لأي إرهاب أو تطرّف. وأكدت المصادر أن مثل هذه الدورات ستساهم في زيادة جهوزية الجهاز الإستقصائي في جهاز أمن الدولة، والذي ينشط في ظل الظروف الدقيقة بالتعاون مع مخابرات الجيش للوصول إلى تحصين الساحة الداخلية من خلال الكشف المبكر عن أي شبكات أو خلايا إرهابية نائمة تنتظر ساعة الصفر لضرب الإستقرار الداخلي، وذلك في سياق خطة أمنية وقائية مسبقة.