كل شيء في لبنان بات صعباً، إن لم نقل مستحيلاً. ماذا حلّ بنا بعد الحرب؟ لماذا ابتُلينا بهذا العقم القاتل؟ هل الحق على نصوص دستور الطائف؟ أو أنه على منفذي (أو عدم منفذي) الطائف؟ أو أنه في هذا الجيل الذي تحكم بنا منذ مطلع تسعينات القرن العشرين الماضي؟!
إننا، اليوم، نتعامل مع إقرار الموازنة وكأننا بلدٌ لم تُقر فيه الموازنات العامة من قبل؟ والأبشع أنّ الجميع «معنيون» بهذا الأمر! نواب ووزراء، خبراء (وأي خبراء بلا «زغرة») كبار وصغار… كلهم يريدون أن يكون لهم رأي في الموازنة، وأن يؤخذ بآرائهم، وإلاّ فالشارع…
وحتى قطع الحساب نعجز عن إعداده وكأنه لم يكن مُرفقاً إلزامياً بمشروع الموازنة طوال عقود!
والانتخابات النيابية نعجز عن إجرائها في وقتها. فمن تأجيل الى تمديد، ومن تمديد الى تأجيل، ومن تمديدين الى تأجيلين، ومن تأجيلين الى تمديدين وثلاثة! حتى بتنا مضرب مثل في التردد والتخاذل وخرق الدستور! ذلك أن التمديدات والتأجيلات هي مخالفة قانونية – دستورية موصوفة!
وأمّا تشكيل الحكومة فبات في حد ذاته إنجازاً!
وكأننا لم نشكل حكومات ونُسقط حكومات منذ ما قبل الاستقلال! أمّا هذه الفضفضة في عديد الوزراء فهي مهزلة… ومهزلة المهازل أننا مصرّون عليها… ولو شئنا أن نجري مقارنة بين بلدنا وبلدان العالم الأوّل الكبيرة وذات الإمكانات الهائلة لوجدنا ما يدعو الى السخرية بنا وبأحوالنا. مثال سريع واحد… فقط مثال واحد: روسيا الاتحادية بضخامتها من حيث السكان والمساحة الشاسعة جداً والقدرات العسكرية الهائلة، والثروات الطبيعية العظيمة الخ… روسيا هذه لديها حكومة اتحادية من تسعة وزراء! أجل: فقط تسعة وزراء لا غير… أما نحن فلم نكتفِ بالثلاثين وزيراً أو من أربعة وزراء.. وعموماً من نحو 12 وزيراً… وعندما بالغوا عيّنوا حكومة من 20 وزيراً!
ودعونا ننزل الى الأرض… فنتحدث عن النفايات التي تتقاطع المؤشرات كلها عند توقع انفجار أزمتها من جديد في الآتي غير البعيد. وكأننا لم نكن نجيد التعامل مع النفايات وتنظيف الشوارع حتى أيام «المكنسة – البلانة» الشهيرة التي كان يستخدمها عمال التنظيفات في بيروت وطرابلس وسائر المدن والبلدات!
ويمكن سوق الأمثلة بلا حدود على أننا أصبحنا دولة عقيمة ونخشى أن نقول «فاشلة»… إذ هكذا بات الآخرون يصنّفونها بصورة غير مباشرة وهم يتحدثون عنّا وعن الفساد الذي ينخر في كثير من البنى والإدارات والمرافق العامة عندنا.
فهل هذا قدر وطن أنجب قبل 200 سنة عملاق فكر وأدب وصحافة واجتماع (…) الموسوعي بإمتياز المعلم بطرس البستاني الذي احتفلنا (رسمياً ووطنياً) بمئويته الثانية… ونذكره على سبيل المثال لا الحصر، وقد انبثقت النهضة العربية من هذا الوطن على أيدي أعلامه الكبار في الوطن والمهجر؟!