بعد عامٍ من «الهلع» من مضاعفات فيروس كورونا، «اهترت» يدا صابرين، الموظفة في أحد المصارف، لأنها كلّما تسلّمت ورقة من أحدهم لجأت الى عبوة التعقيم. موظفة أخرى، تخطّت «الإكزيما» في يديها المعصم إلى الكوع نتيجة الإفراط في استعمال مواد التعقيم والتطهير. فيما يؤكد أطباء جلد أن «التشبّث» بالكمامة لساعات طويلة، من دون استراحة، أدى إلى تفاقم الأمراض الجلدية الموجودة مسبقاً وظهور أخرى جديدة. كثيرون يسددون اليوم ضريبة «المبالغة» في تطبيق الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، وهو ما يظهر في «تضاعف الإقبال على عيادات أطباء الأمراض الجلدية أكثر من عشر مرات بالحد الأدنى منذ بداية الجائحة»، بحسب الاختصاصية في الأمراض الجلدية مايا زيعور، فضلاً عن عشرات الاستشارات التي تسجّلها الصيدليات.
يتّسق ذلك مع زيادة نسب تفشّي الأمراض الجلدية عالمياً منذ بداية أزمة كورونا. غادة قصير، الاختصاصية في الأمراض الجلدية والتجميل ومديرة مركز للتجميل، تلفت الى أن دراسات أظهرت «زيادة في تفشي الأمراض الجلدية عالمياً بنسبة لا تقلّ عن 20%، وأعتقد أن هذا ينطبق على الحال في لبنان».
«أوقفوا التعقيم»، تطلب قصير ممن يراجعها. ولذلك أسباب، أهمها أن «الجلد يصاب بالتحسّس المباشر بعد احتكاكه بالمواد المعقّمة، ما يفاقم الإكزيما الوراثية ويسبب جفاف الجلد والاحمرار والالتهاب». وأكثر ما يسيء إلى سلامة الجلد هي نسبة الكحول الموجودة في المعقّمات، وخصوصاً إذا زادت على 60% «فهي من جهة تسبب الإكزيما، ومن جهة ثانية تقتل الجراثيم الحميدة التي تشكل حاجزاً ضد الجراثيم المسببة للأمراض الجلدية».
ليس الجلد وحده ما يتأثر بمخاطر المواد المعقمة. فقد أعلنت الجمعية الأميركية لمراكز مكافحة السموم عن 9504 حالات تسمم للأطفال دون الـ 12 عاماً في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020 في الولايات المتحدة، بعد تعرضهم لمواد تعقيم ذات أساس كحولي.
وللوقاية من خطر الإصابة بالوباء من دون الإساءة إلى الجلد، يوصي اختصاصيو الأمراض الجلدية باستبدال مواد التعقيم بالماء والصابون، وإن كان المطلوب «ليس أيّ صابون»، بحسب زيعور، بل «الصابون اللطيف»، أي غير المصنّف مضاداً للجراثيم، لخلوّه من مادة triclosan التي «تترك آثاراً جسيمة على الجلد».
ينصح أطباء الجلد الذين لا يخالطون كثراً استعمال الكمامة القماشية بدل الطبية
أما الكمامة، فقد استحدث مصطلح جديد للدلالة على حَبّ الشباب الناتج من ارتدائها، وهو “maskne”. لكن، لا تقتصر عوارض ارتداء الكمامة على ذلك، بل هناك لائحة طويلة من التأثيرات الجانبية ليس أقلها الإكزيما الدهنية في الوجه والوردية والتهاب بصيلات الشعر في منطقة الرقبة. ويعود ذلك إلى «حالات التعرق والرطوبة الناجمة عن ارتداء الكمامة لفترات طويلة، ما يشكل بيئة حاضنة للجراثيم، وخصوصاً إذا ما وضعت الكريمات أو مستحضرات التجميل أو كريم الوقاية من الشمس قبل ارتداء الكمامة»، وفق زيعور.
للتخفّف من تلك العوارض، تدعو قصير إلى الانتباه إلى طريقة ارتداء الكمامة بما يخفف الضغط على الوجه، وأخذ استراحة كل ساعتين «ليتنفس الوجه» وتقلّ الرطوبة فيه. كما تنصح ذوي البشرة الدهنية بـ«استخدام غسول الوجه والحدّ من استعمال الكريمات، أو وضعها قبل نصف ساعة على الأقل من ارتداء الكمامة». أما ذوو البشرة الجافة، فعليهن «استعمال كريم الأساس الذي يحمي الجلد من الاحتكاك المباشر بالكمامة قبل نصف ساعة على الأقل من ارتدائها، أو وضع الشاش المعقم على أماكن الاحتكاك كالأنف والأذن». وتلفت إلى أن الأشخاص الذين لا يعملون في القطاع الصحي ولا يخالطون الكثير من الناس «يمكنهم استبدال الكمامة الطبية بأخرى قماشية لأن الأولى تؤثر عادة في البشرة الحساسة».
ثمة أزمة أخرى تترتب على الإصابة بالأمراض الجلدية، وهي في كيفية الحصول على بعض الأدوية والمستحضرات ولا سيما كريمات الترطيب، وخصوصاً في ظلّ تمدّد الأزمة الاقتصادية، التي تجعل من بعض أنواع تلك الكريمات «خارج الخدمة». فلئن كانت أدوية الأمراض الجلدية «لا تزال متوفرة، وما يُفقد من السوق نجد أدوية بديلة منه»، على ما تقول الصيدلانية جمال جابر، إلا أن كريمات الترطيب التي يوصي اختصاصيو الجلد باستخدامها بشكل دائم للوقاية من آثار الكمامة والمواد المعقمة «اختفت» علامات تجارية كثيرة منها من السوق بسبب الارتفاع الفاحش في ثمنها، وخصوصاً أنها «مستوردة وغير مدعومة، وقد ارتفع ثمن البعض منها 100%». كما لحقت الزيادة بكريمات الترطيب ذات الصناعة الوطنية وذلك «بسبب غلاء المواد الأولية الداخلة فيها».