حدّد رئيس الجمهورية ميشال عون هدفا واضحا منذ بداية الطريق: اقرار قانون انتخاب جديد للانتخابات النيابية يراعي صحة التمثيل بطريقة عادلة، ولا تستثني أية حيثية شعبية موجودة على الأرض، وتمثيلها في الندوة البرلمانية بقدر ما تمثل شعبيا، وذلك دون استثناء بين مكونات الوطن: لا في الطائفة، ولا في الدين والمذهب، ولا في الانتماء السياسي، ولا في المنطقة الجغرافية. وتقاطعت هذه الدعوة مع مواقف وأهداف مكونات وازنة في المجتمع اللبناني وانضمت على الفور الى هذا الصف الطليعي الذي خطا خطوة متقدمة الى الأمام عن الواقع العام السائد في البلاد، والمتمثل بنوع من التبلد السياسي، والتلذذ بأطايبه السائبة دون حسيب أو رقيب! وكان عنوان قانون الانتخاب الذي تدعو له المكونات التي تدعم موقف الرئيس، هو قانون النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة…
***
على المقلب الآخر، وقفت مكونات أخرى من الوطن، على الطرف النقيض، متمسكة بنظام أكثري كامل وفقا للقانون المعروف بقانون الدوحة، أو بقانون الستين. وكان السبب في موقفها هذا هو أن هذا القانون يضخ هرمونات في جسمها السياسي ويضخم حجمه، وذلك على غرار هرمونات منشطات النمو التي يتعاطاها الرياضيون لتضخيم عضلاتهم، أو الهرمونات التي يجري تبليعها للدجاج فيصبح أكبر حجما وأكثر وزنا، ولكن أكثر ضررا على الصحة. والهرمونات المنشطة محرّمة دوليا، ليس فقط لضررها على من يتعاطاها، وانما أيضا لأنها تمثل نوعا من الغش، وتظهر صاحبها بمظهر أقوى من قوته الحقيقية.
***
كما في الرياضة كذلك في السياسة. وكل قانون انتخاب يقوم على اباحة هرمونات منشطات النمو السياسي، فهو محرم ديموقراطيا وأخلاقيا، وهو القانون القائم على الأساس الأكثري التام، لأن من عواقبه تضخيم ونفخ عضلات مكونات سياسية بما يعطيها قوة اضافية أكبر من قوتها الحقيقية، وتأثيرا أكبر من تأثيرها الفعلي. وفي الرياضة كما في السياسة، هناك نوع من الادمان على هذه الهرمونات، وتحتاج الى رعاية للشفاء من ادمانها عليه، كما تحتاج الى بعض الوقت للاقتناع بالاقلاع عنه!
وهذا هو السبب الحقيقي وراء التأخر باقرار قانون جديد وشرعي، وخال من الهرمونات، لاجراء الانتخابات المقبلة على أساسه.
***
… ومن الملاحظ أن بعض أكثر القوى ادمانا على هذا النوع من الهرمونات السياسية، بدأ يظهر بعض استجابة للعلاج، بالتراجع عن تمسكه بالادمان الكامل، الى نصف ادمان… وهذه هي وصفة القانون المقترح الذي يقوم على جرعات متباينة من الأكثري والنسبي في آن!