وجّهت النائب ستريدا جعجع نداءً الى تكتل «لبنان القوي» من بكركي، دعته فيه «لكي يبادر الى التنسيق معنا من اجل ان نستقيل جميعاً من مجلس النواب، الامر الذي من شأنه ان يُفقد المجلس ميثاقيته». فما هو صدى هذا الطرح في أوساط «التيار الوطني الحر»، وهل يمكن أن يتلقفه؟
نداء ستريدا أتى بعد أيام قليلة على قول رئيس «التيار» النائب جبران باسيل انّ هناك حالة وحيدة باقية لسحب التكليف من الرئيس سعد الحريري وهي استقالة مجلس النواب. ومع انّ باسيل أقرّ بأنّ الوقت غير مناسب لانتخابات مبكّرة لن تغيّر في الواقع السياسي ولن تعالج المشكلات، الّا انّه لفت الى انّها تعالج أمراً واحداً وهو سحب التكليف من الحريري، اذا بقي على رفضه تأليف حكومة أو الإعتذار.
وبناءً عليه، هل يمكن أن يتجاوز «التيار» خلافه الكبير مع «القوات» فيتجاوب مع دعوتها الى تنسيق الانسحاب من المجلس النيابي، على قاعدة تقاطع المصلحة الظرفية؟
لا يبدو هذا السيناريو سهلاً، في اعتبار انّ التقاطع هنا هو شكلي وسطحي، ولا يصل إلى جوهر الموقف ومنطلقاته. إذ انّ لكل من الطرفين حساباته ونياته المغايرة. فـ»القوات» تريد الاستقالة لقلب المعادلة المسيحية على العهد وباسيل. بينما التيار يعتبرها الورقة الأخيرة لقلب الطاولة على سعد الحريري وسحب التكليف منه.
من هنا، فإنّ التيار ليس في وارد الاستقالة من المجلس على ساعة «القوات» تجنّباً للدغة «عقاربها»، وبالتالي هو الذي سيختار توقيتها وحيثياتها، اذا قرّر ان يحسم أمره ويذهب في اتجاه اعتماد هذا الخيار، الذي سيكون بالنسبة إليه كناية عن كأس مرّة أو شرّ لا بدّ منه، علماً انّ الأمر لم يتخطّ حتى الآن حدود التلويح غير المباشر بالفكرة، من باب الضغط على الحريري وحضّه على تشكيل الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية.
وتفيد المعلومات، انّ فرضية الاستقالة خضعت الى نقاش طويل في أروقة التيار، حيث استقرّ الرأي في نهاية المطاف على التعامل معها انطلاقاً من قاعدة انّ «آخر الدواء الكي». وبهذا المعنى، فإنّ التيار ليس مقتنعاً اساساً بهذه الخطوة، ويعرف ان لا شيء مضموناً بعدها سوى انتزاع التكليف من الحريري.
ويقول احد قياديي «التيار»: «المأزق الحالي يشبه بناية سكنية تحترق، فإذا لم تفعل شيئاً ستلتهمك حتماً النيران، اما اذا قفزت من الشرفة فستكون لديك فرصة ولو بنسبة واحد في المئة للنجاة. الاستقالة من المجلس تعادل القفز من طابق علوي، اما البقاء رهائن تكليف لا متناهٍ للحريري من دون تأليف، فمؤداه احتراق السنة ونصف السنة المتبقية من ولاية العهد».
لقد بات لدى «التيار» اقتناع كامل بأنّ الحريري يتعمّد عدم التشكيل، اولاً بسبب عامل خارجي يتعلق بتهيّبه خرق الحظر السعودي، وثانياً نتيجة عامل داخلي يتصل بخشيته من تحمّل مسؤولية اتخاذ قرارات صعبة في ملفات عدة، تمتد من رفع الدعم الى ترسيم الحدود البحرية وما بينهما، «وهو لذلك رفض في آخر لحظة المحاولة الفرنسية لجمعه مع باسيل في باريس، وتجاهل الطرح الروسي الداعي الى رفع عدد اعضاء الحكومة حتى 24 وزيراً».
وأمام هذا الاستعصاء، وجد «التيار» انّ الاستقالة النيابية للتكتل المسيحي الأكبر قد تصبح في نهاية المطاف الوسيلة الوحيدة لإعادة خلط الأوراق، والدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة، تليها استشارات الزامية جديدة لتسمية رئيس مكلّف آخر، وسحب البساط من تحت أقدام سعد الحريري. يدرك البرتقاليون انّ هذه الرحلة ستكون شاقة، لكنهم يفترضون انّها عند الضرورة تظلّ اقل وطأة من ضرر الاستمرار في التفرّج على استنزاف الجزء الأخير من العهد يوماً بعد آخر.
اما حماسة «القوات» للاستقالة فوراً، فتعتبر مصادر قيادية في «التيار» انّ لها دوافعها المختلفة كالآتي:
– ملاقاة الرياض وارضاؤها، بعدما صار معروفاً انّها تعارض إعادة تعويم الحريري، وليست في وارد دعم اي تركيبة حكومية او سياسية يكون جزءاً منها.
– انتزاع الأكثرية المسيحية من «التيار الوطني الحر»، خصوصاً انّ «القوات» تفترض بأنّ الوقت لا يعمل لصالحها، وانّ ما تستطيع تحصيله اليوم في انتخابات مبكّرة لن تتمكن من تحصيله غداً، كما توحي آخر استطلاعات الرأي، التي أظهرت انّ المزاج في البيئة المسيحية اختلف في الاسابيع الأخيرة عمّا كان عليه قبل أشهر، وانّ «التيار» نجح في إعادة استقطاب جزء واسع من القاعدة التي خسرها سابقاً وظنت «القوات» انّها ستصبّ عندها.
ولئن كان «التيار» يقرّ بأنّ لبنان غير مهيأ حالياً لانتخابات مبكرة قد يترتب عليها مزيد من الاحتقان الداخلي، الّا انّه يرى انّ «المخاطر المحتملة التي ينطوي عليها هذا الطرح تبقى اقل من تلك التي ستنتج من استمرار الحريري في القبض على التكليف، في آخر سنة ونصف السنة من ولاية الرئيس ميشال عون».