«إرعَ خرافي» قالها السيّد المسيح لتلميذه بطرس – الصخرة. والعصا مرتبطة تاريخياً وواقعياً بالرعيان. ورعاية خراف المسيح هي عبارة مجازية – معنوية، إنطلقت من فكرة حمل الراعي (راعي الماشية بالمعنى الحقيقي) عصا يرد بها الذئاب عن قطيعه.
وشاءت أقدار كنيستنا المارونية أن يكون على رأسها راع يحمل الإسم في كنيته أيضاً، فإذا هو راع إسماً، وراع كونه خليفة بطرس، هامة الرسل، وشهيد الكنيسة الأكبر. لذلك يدخل إسم بطرس في تسمية كل بطريرك: مار بشارة بطرس الراعي… مار نصرالله بطرس صفير الخ…
وفي التقاليد المسيحية كلام كثير عن الراعي والقطيع، منذ قول المعلّم الإلهي يسوع الناصري، عن نفسه: «أنا الراعي الصالح» إلى الباباوات والبطاركة والأساقفة رؤساء الكنائس والبطريركيات والأبرشيات الأسقفية.
ولا تزال قصيدة طنوس عيسى موسى الخوري تتردّد على كل شفة ولسان في أبرشية طرابلس عندما توجه الى الحبر الجليل المثلث الرحمة المطران أنطون عبد قائلاً له: «خلِّ عصاك ترجف قلوب الدياب».
ولم تغب هذه الزاوية عن تلك الإستعارة عندما دعونا (في مقالين)، غبطة البطريرك بشارة الراعي ان «أضرب الأرض بعصاك» ورغبة منّا في موقف صارم من غبطته حول الشؤون الوطنية عامّة.
وكنّا نتابع (نحن والآخرون) مواقف غبطته التي تميّزت بصلابة وحزم حينا وبلين وتردد حينا آخر. وعندما كان يطغى عليها التردد كنّا نستغرب كوننا حظينا بشرف العمل مع غبطته عندما إنتخبونا رئيساً للجنة الصحافة في أعمال السينودس من أجل لبنان ذلك المجمع المقدس في أيام البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي إنتهى بـ»الإرشاد الرسولي»، وبزيارة تاريخية للقديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان وصاحب الغبطة كان منسّقاً عاماً للسينودس.
وغبطته لا يترك مناسبة إلاّ يكون له فيها رأي وموقف، إلاّ أنّ كثرة المواقف كما كثرة الكلام سيف ذو حدّين… فمن يتكلم كثيراً يتوقع (كثيراً) الوقوع في الخطأ. ونحن لا نسمح لأنفسنا أن نقول إن غبطته يقع في الخطأ إلاّ أننا نلاحظ أنه يفرط في الحماسة أحياناً، وإن كان هذا الإفراط ناجماً عن ألم عميق في طواياه جراء تعثر إنتخاب رئيس للجمهورية، وعدم إجراء إنتخابات نيابية، ومشاهدته وطناً أحبه بعد اللّه يمضي في الإنهيار.
كثيرون يتحدثون عن تضارب في مواقف غبطة البطريرك. وكثيرون يقولون: إننا نعجز عن متابعته جراء قدرته (ما شاء اللّه) على الحراك والسفر المضني بالمسافات الطويلة. ويدعي البعض ان ذلك ربّما يؤثر في مواقف غبطته.
في تقديرنا الشخصي إن هم البطريرك الأول هو سدّ الفراغ في كرسي رئاسة الجمهورية، وهو مهتم جدياً بالإنتخابات الرئاسية ولكنها تأتي في الإهتمام الثاني بعد الرئاسة. وهو له نهجه الخاص في متابعة الأمور وبالتالي لا يجوز إجراء مقارنة بينه وبين غبطة سلفه مار نصراللّه صفير… فلكل من صاحبي النيافة الكاردينالين والغبطة البطريركين اسلوب هو نسيج وحده. وإذا كانا يلتقيان حول سيادة وكرامة ووحدة لبنان وميثاقه الوطني، فإنهما يختلفان في الأسلوب.