Site icon IMLebanon

عصا واهية ترفعها واشنطن في وجه النظام وأوروبا تظهر تشدّداً مقابل التراخي الأميركي

يصعب جدا بالنسبة الى المراقبين في المنطقة المتابعين لاتصالات وزير الخارجية الاميركي جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف، أن يجدوا أي صدقية في توعد رئيس الديبلوماسية الاميركية الرئيس السوري بشار الاسد ما لم يبدأ عملية انتقالية بحلول آب المقبل. الصدقية الاميركية باتت مفتقدة في ظل الاقتناع الذي بات راسخا عن لامبالاة الادارة الاميركية الحالية بالشأن السوري، وترك الامور لروسيا التي حظيت بتأكيد إضافي للندية بينها وبين الولايات المتحدة، بتشديد كيري على ثنائية موسكو وواشنطن في سوريا. وهذا التوعد من جانب كيري هو لما بعد أربعة أشهر وليس للغد أو بعد الغد، ولا يتناول حتمية الوقف الفوري للعمليات القتالية ضد حلب وقصف أهلها، وهو العامل الملح والضروري الذي يمكن أن يساهم في انطلاق العملية السياسية مجددا، علما أنه سبق لكيري أن أظهر مدى التقييد الذي يتعرض له في مواقف سبق ان اعلن عنها، في حين لم تتجاوب الادارة مع خطة “ب” في شأن سوريا سبق ان تحدث عنها. ومن المفاجئ ان يكون هذا التوعد لما بعد اربعة اشهر، وعندها تكون الانتخابات الاميركية باتت على الابواب وتضاءل الى حد أكبر اهتمامها بالشأن السوري، وهو ليس كبيرا في الاصل، وحين تكون الادارة أضحت تتحلى بكل مواصفات ما يطلق على أي رئيس أو إدارة في أواخر ايامها، اي البطة العرجاء. فالعصا التي ترفعها واشنطن واهية. والمواقف الاميركية التي ساوت بين النظام والمعارضة في المسؤولية ازاء ما تعرضت له حلب في الاسابيع الاخيرة او التي بررت قصفها على اساس وجود لـ”النصرة” فيها، حاول الاوروبيون موازنتها في المقابل من خلال مواقف بدت اكثر تشددا من الموقف الاميركي. اذ اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي ان الحكومة السورية تتحمل المسؤولية كاملة عن خرق الهدنة في حلب، كما اعتبر وزير الخارجية الالماني انه يستحيل العودة الى المفاوضات ما لم يوقف النظام هجومه في حلب، في ما يشبه الرد المباشر على موقف كيري الذي ساوى في المسؤولية بين النظام والمعارضة في موضوع تردي الوضع في حلب، علما أن روسيا تولت الدفاع بقوة عن قصف النظام لحلب، وقالت انها لن تطالبه بوقفه، بل ان الولايات المتحدة ساهمت في تحميل المعارضة مسؤولية عدم ابتعادها عن مواقع “النصرة” في المدينة على نحو يماثل وجهة نظر روسيا من هذه النقطة. وهذا أمر مثير للاستغراب، لكون الامم المتحدة تحاول ان تتصدى لمنطق النظام الذي يحاصر داريا ويمنع أي مساعدات عنها، بحجة أنها تحت سيطرة “النصرة”، الامر الذي تنفيه المنظمة الدولية ولا يبذل أي جهد لمساعدة ابناء البلدة، وهو أمر قد ينطبق على حلب متى ابتعدت المعارضة كليا عن حلب. ولذلك ثمة تناقض جوهري في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وحلفائها في موضوع التطورات السورية الاخيرة. وفي هذا تأكيد لمعلومات ديبلوماسية عن انزعاج أوروبي مستمر في الآونة الاخيرة من الأداء الأميركي في موضوع سوريا، على قاعدة الاقتناع بأن الولايات المتحدة تسلم بالكثير لروسيا في مقابل ابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة، على رغم أن الدول الاوروبية تحاول أن تصحح مسار هذه الأمور، لكن من دون قدرة كبيرة لديها ومن دون وجود اميركا الى جانبها. يضاف الى ذلك أن أوروبا هي التي تعاني بقوة احتمال تهجير اضافي للنازحين السوريين في حال استئناف العمل العسكري ضد المدنيين وانعكاسات ذلك عليها.

وتقول مصادر ديبلوماسية إن الانهيار الذي شهدته المفاوضات السورية على اثر تلكؤ النظام في تلبية طلبات الامم المتحدة بايصال المساعدات الانسانية واستئنافه عمليات القصف العسكري خارقا بذلك اتفاق وقف الاعمال العدائية التي اتفقت عليه الولايات المتحدة وروسيا كسر وهم احتمال ان تشكل هذه المفاوضات تحديدا المسار للحل السياسي استنادا الى ان انهيارها وارد بقوة وهناك مصالح لاطراف كثر بانهيارها. اذ في خلال آذار الماضي كان الامل كبيرا بان اتفاق وقف الاعمال العدائية يمكن ان ينجح لكن هذا الامل تراجع بقوة اخيرا وباتت المخاوف تستند الى ان ليس من ضمانات فعلية انه لن يتم خرق الهدنة في اي وقت وتاليا ان جولات التفاوض التي تجري تلبي حاجات معينة على المستوى الدولي كما على المستوى السوري الداخلي ولكنها ليست هي المفاوضات الحقيقية المفضية الى الحل السياسي في سوريا. وهو الامر الذي يعني ان الحرب مستمرة وستبقى كذلك على رغم محاولات انقاذ المفاوضات السياسية. اذ ان روسيا لم تلجم النظام عن استئناف العمليات القتالية، وثمة من يعتقد أنها ساهمت في تغطية تصعيده من أجل الحصول على تضييق إضافي على تركيا من جهة، في الوقت الذي يعتقد كثر ان روسيا ستحاول قبل انتهاء ولاية الرئيس الاميركي الحصول على تثبيت أمر واقع في سوريا يتعلق بمصالحها. وهذا يسري على حلفاء الولايات المتحدة بمقدار ما يسري على حلفاء روسيا، أي النظام السوري وايران. فالمسألة لن توضع على سكة الحل الفعلي، إلا من خلال مؤتمر دولي اقليمي للسلام، وهذا لن يكون في المدى المنظور.