IMLebanon

عصا البطريرك

وأخيراً قرر البطريرك مار بشاره الراعي رفع عصاه بوجه من استرسلوا في غيهم المانع لانتخاب رئيس للجمهورية.

رب قائل إن بطاركة آخرين رفعوا عُصيهم في ظروف سابقة، بهزّ العصا، كما فعل البطريرك الراحل المعوشي عام ١٩٥٨، أو بقوة الموقف، كما كان دأب البطريرك نصرالله صفير أطال الله بعمره، على امتداد ولايته، وقد حقق الأول هدفه بوجه حكام تلك الأيام، وحمى الثاني موقف بكركي، حينما حاول بعضهم اتخاذها مطية، لكن ما من مرة كان مصير رئاسة الجمهورية التي هي عنوان الوجود الماروني في لبنان والمسيحي في الشرق في الميزان كما هو اليوم، وما من مرة كان دود الخل منه وفيه، كما هو الحال الآن، إما رئاسة الجمهورية والا فلا رئاسة ولا جمهورية. هذه المعادلة القاتلة للنظام، ولكل المفاهيم الوطنية، لو حصلت في أي بلد آخر، لانتظرنا سماع البلاغ رقم واحد… فالضرورات تبيح المحظورات في كل بلاد الناس، إلا عندنا، حيث يأخذون من الضرورات ما يناسب مقاييس مصالحهم، الشخصية غالباً، والفئوية أحياناً، وأي ضرورة تواجه نظاماً برلمانياً ديمقراطياً أكثر من ضرورة جمع النواب لانتخاب رئيس للجمهورية؟..

الضرورة جمعتهم للتمديد لأنفسهم أما رئاسة الدولة فشأن اخر…

الحكومات تستقيل، بيد أنها تحكم بحسب قاعدة تصريف الأعمال، واذا كان دستور الطائف أجاز لمجلس الوزراء، تصريف اعمال رئيس الجمهورية، الغائب أو المغيب، فإن ما يصفه الرئيس نبيه بري بالميثاقية، ترفض تغييب مكون طائفي أساسي وتاريخي في هيكلية الدولة اللبنانية، من خلال فرض الاعتياد على عدم وجود ممثله على رأس الهرم…

كيف لا يجوز اجراء انتخابات نيابية في ظل معارضة المكون السني الممثل بتيار المستقبل، ويجوز التغاضي عن اغلاق أبواب القصر الجمهوري للشهر الخامس.

فريق الثامن من آذار يضع العماد ميشال عون في واجهة المقاطعين لجلسات الانتخاب الرئاسية، بينما يبرر عون مقاطعته، بوجود الدكتور سمير جعجع كمرشح رئاسي منافس!!

هو يريد أن يكون مرشحاً، لكن ليس بوجه جعجع أو غيره، بمعنى أنه يريد أن يكون المتسابق الوحيد الى بعبدا!!

وهذا ما تعتبره ١٤ آذار افتئاتاً على المنطق الديمقراطي، وهروباً من خسارة محتملة، وبالتالي فرضه على الآخرين رئاسة بالتزكية…

الراهن ان الفراغ هو المنتصر الوحيد في معركة الرئاسة اللبنانية حتى الآن، وحماية الفراغ تفكك الدولة، وهذا ما يدركه البطريرك الراعي، وهذا ما استبقه باعلان لاءاته الأربعة من أوستراليا: لا للمؤتمر التأسيسي ولا للمثالثة في السلطة، بل نعم للمناصفة، ولا للشغور الرئاسي ولا لنقض الدستور والميثاق…

وكل هذه اللاءات تصب في مواجهة الفراغ الزاحف على شتات الدولة اللبنانية.

يقول أحد الفلاسفة: لا يمكن أن يكون هناك مبرر لعمل خاطئ، وإن لكل انسان تاريخاً لانتهاء صلاحيته…

والحقيقة أننا نعيش في لبنان حالة بؤس سياسي مدفوع بتراجع اخلاقي وانفلاش أمني مصاب بانعدام التوازن، بحيث كلما اقفل الجيش ثغرة في منطقة، ظهرت ثانية في منطقة أخرى. لبنان بحاجة الى المستبد العادل، وقد يكون هناك من يتمتع بهذه المواصفات، لكن من اين له أن يصل، وسط ضعف الانتماء الوطني وقوة التبعية للخارج وتحول النضال الى ارتزاق والمناضلين الى مقاتلين غب الطلب، تشحنهم الغرائز بالطاقة، مدعومة بالقناعات المحشوة بالخرافات.

وقد ساهم بلاء لبنان بالفساد على أنواعه، سياسياً كان أم ادارياً، ومن يريد الدليل فليتابع اكتشافات الوزير ابو فاعور في وزارة الصحة في بلوغه حافة الفراغ، وفي احباط محاولات القوى المؤمنة به، وطناً نهائياً، أولاً وأخيراً، واخراجه من هذا المستنقع.

إن من تجرأ، ويواصل التجرؤ على عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل فعالية الحكومة عبر تأزيم كل مسألة وتدوير كل استحقاق، شخصاً كان أم حزباً أو جهة سياسية، لن يظل في ضمير الغيب، فالبعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير…