لا أومن بجلد الذات طريقة للتعويض عن الاخطاء والخطايا، لان الافضل منها التفكير في حلول منطقية تحاكي الواقع بدل التلهي بخطب مزايدات لا تفيد في تقدّم قطعاً، بل قد تدفع الى الوراء. انشغل المسيحيون في الايام الاخيرة في نقاش عقيم حول الفراغ او اللافراغ، قبل ان يقاطع شكلا، او يبصم على التمديد المحتوم، نواب قصّروا تقصيرا موصوفا في عجزهم عن الاتفاق على قانون جديد للانتخابات منذ ما قبل التمديد الاول، وتراهم ممعنين في خطيئتهم، اذ افرغوا الرئاسة الاولى، وليس في نيتهم الانتخاب، ولا الاتفاق على قانون ارثوذكسي او ماروني، ولا فارق الا اذا كانت التسمية يمكن ان تستفز البعض.
أما بطريركهم مار بشارة بطرس الراعي ، وهو عموما بطريركنا “السياسي” كلبنانيين، فلوّح بالعصا في تصريح له من اوستراليا قائلا: ان “نوابنا الكرام لم ينتخبوا رئيساً منذ 6 اشهر”، واضاف مجيباً عن احد الخطباء: “السياسيين بدن عصا، ايه نعم بدن عصا”. والعصا قد تكون للتأديب او للعقاب، وهي في كل الاحوال، تهديد ووعيد، وفيهما اهانة للنواب، ممثلي الامة.
لكن الحصانة التي يتمتع بها رجال الدين عندنا، اقوى من حصانة السياسيين، وهي تمنع عنهم المساءلة والمحاكمة، وايضا الردود. اذ لن يجرؤ ماروني على الرد على سيد بكركي لان في الامر “عيباً وشرشحة امام الآخرين”، ولن يجرؤ مسلم على ذلك لان الفتنة الطائفية على الابواب، وايضا السؤال الجاهز “لماذا يستقوون علينا او يستبيحون مساحاتنا ولا يفعلون ذلك مع مرجعياتهم التي تتخطى الحدود غالباً؟”. وعليه يمكن ان يذهب كلام البطريرك الراعي أدراج الرياح ويتم التغاضي عنه على رغم موجة الاستياء التي قوبل بها في الصالونات السياسية. لكننا نسأل عن تلك العصا ووجهتها الصحيحة. صحيح ان نواباً يستحقون عصا التأديب والعقاب، لكن عصا الرعاية ربما تكون اكثر فائدة منها في هذه الظروف، وكثيرون يطلبونها ويفتقدونها في واقع مرير تعيشه كل الكنائس على السواء، وربما يحتاج البعض في مؤسسات الكنيسة الى العصا الاولى ايضا، عصا التأديب. ولن ادخل في تفاصيل وقصص تدفع الى التشكيك كقضية بيت المحبة وانزلاق رهبان فيها الى الهرطقة، او ملفات الاستثمارات العقارية وغيرها، لأن ثمة الاهم، وهو الذي يتعلق بحياة الناس بأعدادهم الكبيرة.
هل يعلم حد ما هي أعداد اللاجئين المسيحيين الى لبنان من سوريين وعراقيين؟ وماذا فعلت الكنيسة بمؤسساتها حيالهم؟ هل ثمة لجان فاعلة تعمل على صمود اهالي القرى الحدودية في البقاع اولاً حيث خطر “داعش” و”النصرة” يحاصر هؤلاء ولا يجدون سوى “حزب الله” يحمي ظهورهم؟ وماذا عن ابناء المناطق الحدودية جميعاً، هل من يدعم بقاءهم ومحافظتهم على ارض آبائهم وأجدادهم سوى بخطب رنانة وزيارات فولكلورية يتنافس على القيام بها السياسيون؟… ان العصا ضرورية، ولكن يجب ان توجه الى داخل البيت المسيحي اولاً.