اندلعت الثورة الإيرانية وتطاير مع لهيبها المتصاعد شرر الطائفية، لتبلغ الطائفية ذروتها مع اندلاع الثورة السورية وتدخّل إيران السافر في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن، ونجحت الثورة الإيرانية فترة طويلة في ستر وجهها الطائفي الكالح بدغدغة العواطف حول الوحدة الإسلامية ومقاومة إسرائيل.
هذا الستار الذي مزقته الثورة السورية شر ممزق، تاركة إيران في عراء الفضائح الطائفية المدوية، ساعدها في ذلك بشكل فاضح ومكشوف أذرعتها الطائفية في لبنان من خلال حزب الله، واليمن من خلال حركة الأنصار.
وحين نتحدث عن طائفية الثورة الإيرانية، فهذا لا يعني أبدًا تبرئة ساحة بعض متشددي السنة، فالكل يرصد الأحداث الطائفية من كل الأطراف وآخرها القديح ومسجد العنود. إذن الحريق الطائفي اندلع بقوة وزادت ضراوة نيرانه حين بدأت إيران تدرك أن الطائفية التي أشعلت نيرانها بدأت ترجع لتلتهم أطراف من أوقدها، ولهذا لم تجد القيادة السعودية صعوبة في حشد التحالف الناجح لمقاومة تغلغلها الخطير في اليمن مع التنويه بالقدرة الدبلوماسية في تحقيق هذا النجاح، لأن الجميع أدرك المرامي البعيدة للثورة الإيرانية.
ومنذ أن أحست إيران بتضييق الخناق عليها وفشل دعايتها التسويقية، وانكشاف استراتيجيتها الطائفية، وهي تحاول الاعتماد بقوة على البناء الطائفي الذي أسسته طوال الثلاثين عاما الماضية، فلا يوجد دولة إسلامية في طول العالم الإسلامي وعرضه متحالفة مع إيران، عدا ميليشياتها في كل من العراق ولبنان واليمن، وطبعا نظام حافظ الأسد الذي يربطه بالثورة الإيرانية رباط طائفي وثيق، مهما حاول النظام تغطية طائفيته بستار العلمانية المكشوف.
ومن يرصد الأحداث الطائفية الأخيرة في العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي اليمن، يستطيع أن يقرأ التغييرات التي حدثت في استراتيجية السياسة الإيرانية، التي تقوم على التغذي من الأحداث الطائفية لاستمرار نفوذها، ومن ثم إجبار المنتمين لمذهبها على الركون إليها والاعتماد عليها كملاذ آمن للحماية مما تدعيه إيران وتروج له، أعني خطر الأغلبية على الأقلية.
هذا الخطر المزعوم هو الذي أدركه بيان علماء وأعيان الشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية، حين أكدوا في بيانهم الموفق على اللحمة الوطنية، وعدم الانجرار لمخطط إشعال وإشغال السعودية بأحداث طائفية ليس للدولة ولا شعوبها مصلحة فيها، كما يزعم ويدعي بعض متطرفي السنة والشيعة الذين يجدون مع إيران مصلحة مشتركة في إشعال المنطقة بنار الطائفية، حتى يثبتوا أقدامهم ويوسعوا انتشارهم، ويكسبوا مزيدًا من الأتباع والمتعاطفين.
لا يمكن أن نعزل هزائم حلفاء إيران في سوريا وفي اليمن وحتى في العراق عن ارتفاع مؤشر الطائفية في المنطقة كلها، فمن نقص الحصافة والنباهة أن ينجر العقلاء من كل الأطراف لفخ الطائفية، الذي نصبته إيران للجميع، ومن يفعل ذلك حتى ولو بدا الأمر مناصرة لمظلومين فإنه يعزز للمخطط الإيراني ويعبد الطريق لها لمزيد من النفوذ والتوسع، وسنتوقع مزيدًا من الأحداث الطائفية ما دام النفوذ الإيراني يواصل هبوطه، وما دام يتآكل، فالمنطقة كلها تقاوم نظاما مؤدلجًا له مرام بعيدة يطمح إلى بسط نفوذه وسيطرته على بقية العالم الإسلامي بالعصا الطائفية والجزرة التبشيرية، بالترغيب والترهيب. ولن يفشل هذا المخطط الشنيع إلا مزيد من الوعي بهذا المخطط وتفويت الفرصة عليه بالوقوف ضد الطائفية بكل أشكالها وصورها.