اما وقد انتهت جلسات الحوار من دون نتيجة وبلا بيان ختامي فان الذي ميز المناسبة ليس انتصار فريق على حساب فريق اخر، بل بتمسك كل فريق بوجهة نظره خصوصا بالنسبة الى عقدة رئاسة الجمهورية التي ساد الظن لبعض الوقت ان المتحاورين اقتربوا نسبيا من حلها، الى ان تبين ان الامور «مطرحك يا واقف» وليس من يتحدث عن ايجابية واحدة، باستثناء ما طلع به البعض لجهة القول بضرورة ترجمة اتفاق الطائف، لا سيما بالنسبة الى الامور التي لم تنفذ منه، مع العلم ان لا مشكلة في انشاء مجلس شيوخ ولا مشكلة في تنظيم الادارة بشكل لا مركزي، فيما تبقى المشكلة الاساس في سلاح حزب الله وكل سلاح غير شرعي.
عندما يقال ان الحزب مهتم بسلاحه اكثر من اهتمامه بمصلحة البلد العليا، يفهم من هكذا توجه ان عقدة الفراغ الرئاسي ستستمر ويستمر معها البحث عن قانون للانتخابات النيابية، بما في ذلك نقطة مجلس الشيوخ، لكن كل ذلك يبقى البحث فيه بلا جدوى خصوصا بالنسبة الى الترابط بين المواضيع المشار اليها وثمة من يجزم بأن العقدة التي تؤخر انتخاب رئيس للجمهورية تكمن في ما يفعله حزب الله بالنسبة الى الحرب في سوريا، حيث انه مضطر بفعل علاقته بإيران بأن يستمر في دعم نظام بشار الاسد حتى ولو اقتضى ذلك عدم حصول اي تقدم في مجال ما هو مطلوب لبنانيا بالحاح.
والى ان يعرف الوضع النهائي في سوريا فان امورنا الداخلية ستبقى عالقة بمن بوسعه ان يحدد ما قد يطرأ من تطورات يمكن ان يفهم منها ماذا سيحصل والى اين قد تصل التعقيدات المرتبطة بالازمة الرئاسية وبموضوع الانتخابات النيابية، بما في ذلك مصير مجلس الشيوخ من غير حاجة الى تحديد مصير سلاح حزب الله الممنوع على احد اثارته كي لا ينتهي الحوار من قبل ان يبدأ وعندها لن تكون حاجة الى البحث عن انفراج مصطنع وهذا من الامور البديهية التي على الجميع ان يفهمها على حقيقتها طالما ان لا شيء في الافق الاقليمي والدولي.
ان مجالات الخوض في حوار سياسي اصبحت بلا جدوى ومن دون نتيجة خصوصا ان التفاهم مع حزب الله على سلاحه اصبح غير وارد كما ليس بوسع احد تحمل مسؤولية حدوث انفجار سياسي – امني قد يلجأ اليه حزب الله لافهام من لم يفهم بعد ان المس بسلاحه ممنوع وهكذا بالنسبة الى علاقته مع النظام السوري ومع ايران في وقت واحد.
من هنا لا بد من القول ان مؤتمر الحوار قد انتهى من غير نتيجة تذكر باستثناء ما بوسع البعض الاشارة اليه انه من الافضل محاورة الحزب بمختلف وسيلة متاحة على ان لا تتطور امور الداخل بالاتجاه الذي يهز الاستقرار والسلم الاهلي بحسب اجماع متتبعي التطورات في الداخل والخارج، خصوص ان من ينظر الى المشهد اللبناني العام قد اقتنع في المطلق بأن من الواجب البحث عن حل لازماتنا من خارج حوارات الداخل حتى وان اقتضى الامر حصول تنازلات تبقي الوضع على ما هو عليه، اي لا رئيس ولا اصلاحات ولا من يحزنون (…)
ان الخطأ الذي وقع فيه المسيحيون يفهم منه انهم يسهمون في تأخير الحل الرئاسي طالما بقيت امورهم مجزأة ويعانون في معظمهم من انفصاح سياسي ناجم عن عدم اتفاقهم على مرشح رئاسي يفهم المطلوب منه في هذه المرحلة التي تتطلب تفاهمات على اعلى المستويات قبل ان تتطور الامور باتجاه تكريس الفراغ الرئاسي واعتبار انه حاجة وطنية – دستورية غير ملحة.
وفي المقابل، فان الانتخابات النيابية مرشحة بدورها لان تبقى بلا قانون حيث تكرر الكلام على قانون الستين على رغم معرفة الجميع ان لا مجال لاعتماده مثله مثل غيره من القوانين المطروحة خصوصا المتعلق بالنسبية وليس لانه افضل من سواه بل لان قانون المختلط يمكن ان يجدد الحياة السياسية في لبنان بوقت اقل، مع العلم ان قانون النسبية مرشح لان يرفض في مطلق الاحوال لمجرد انه يتنافى مع بعض الاصول المرتبطة بالتركيبة اللبنانية القائمة على الحصص المذهبية، من غير ان يعني ذلك ان النسبية تصب في مصلحة البعض من غير حاجة الى طول جدل؟!
والجديد المستجد على مؤتمر الحوار، فان رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يقطع الامل من حدوث خرق في بعض المواقف وهو ما يعطي الامل بحسب وجهة نظره لجهة التفاهم على الطريق الاقصر الذي يمكن ان يؤدي الى تفاهم الحد الادنى، لان الرئيس بري مقتنع تماما بأن الحوار يبقى افضل من اي نوع من انواع الجهود السياسية؟!