على الرغم من الطروحات المُتعدّدة في ما خصّ قانون الإنتخابات، لا سيّما منها تلك «المُختلطة» التي يقوم وزير الخارجية جبران باسيل بتحضيرها وبعرضها، من المُلاحظ أنّه بعد كل تقدّم طفيف يتمّ تحقيقه تُسجّل خطوات عدّة إلى الوراء، وكأنّ في الأمر «قطبة مخفيّة»، أو نيّة مُسبقة ببقاء الأمور على ما هي عليه. فهل فعلاً بدأت الآمال تضيق باحتمال التوصّل إلى قانون إنتخابات جديد في المُستقبل القريب؟
بحسب أوساط سياسيّة مُستقلّة إنّ المُشكلة لا تنحصر بمقعد هنا أو بإسم مرشّح هناك، بل بصراع سياسي محلّي حاد مع إمتدادات إقليميّة، وبصراع أحجام داخليّة ستترك آثارها على تركيبة الحُكم في السنوات المُقبلة، وسيكون من الصعب تعديلها أو تغييرها في المُستقبل، حيث يُتوقّع أن يتمّ إعتماد القانون المُقبل لدورات إنتخابيّة عدّة متلاحقة.
وأوضحت هذه الأوساط أنّ «حزب الله» مُتمسّك بالنسبيّة لأنّها من حيث الشُكل تُتيح تمثيل مختلف الأطراف والجهات والشخصيّات، كل منها بحسب حجمه الشعبي، ولأنّها من حيث المضمون ستُمثّل فوزاً كبيراً للخط السياسي الذي يُمثّله. وأضافت أنّ «الحزب» يعلم أنّ فوز ما كان يُعرف بإسم قوى «14 آذار» بالأغلبيّة النيابيّة في دورة الإنتخابات الماضية في العام 2009، ترافق في حينه مع تقدّم ما كان يُعرف بإسم قوى «8 آذار» بالأغلبيّة الشعبيّة العدديّة. وتابعت هذه الأوساط أنّ «الحزب» يعلم أيضًا أنّ نسبة المُعارضة لكل من «تيّار المُستقبل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» في بيئتيهما المذهبيّة، تفوق بكثير نسبة المُعارضة ضمن البيئة الحاضنة للمُقاومة. ولفتت الأوساط نفسها أنّ هذه الحقائق تعني في السياسة، أنّ تطبيق صيغة النسبيّة الكاملة في أيّ إنتخابات نيابيّة مُقبلة، سيُؤدّي حُكمًا إلى إنتصار «حزب الله» والقوى الحليفة بأغلبيّة نيابيّة كبيرة، في حال إحتساب نوّاب «التيار الوطني الحُر» المُتوقّع فوزهم، من ضُمن التحالف العريض والواسع للحزب، وكذلك إلى دخول الكثير من حلفاء «حزب الله» من البيئتين السنّية والدرزيّة إلى الندوة البرلمانية، بحيث يسقط التصنيف الطائفي والمذهبي لمحور المقاومة على الصعيد الرسمي، وتُصبح ممثلة بشكل واضح في مجلس النواب وبعدها في مجلس الوزراء، وربّما تتمكّن من إنتزاع منصب رئاسة الحكومة أيضاً. وتابعت الأوساط نفسها كلامها بالقول إنّ «حزب الله» إزداد تمسّكًا بصيغة النسبيّة الكاملة، بعدما لاحظ مُحاولات لتركيب قانون يعتمد التصويت المُختلط من دون معايير مُوحّدة، بهدف تعويم جهات سياسية تُصنّف في موقع الخصم له، ولإغراق جهات سياسيّة أخرى تُصنّف في موقع الحليف له.
وبالنسبة إلى موقف «تيّار المُستقبل»، لفتت الأوساط السياسيّة المُستقلّة إلى أنّ الإنفتاح الظاهر على «القانون المُختلط» يترافق مع رفض تصغير الدوائر بشكل يجعل «التيّار الأزرق» غير مُؤثّر في نتائج إنتخابات مناطق عدّة، خاصة في البقاع والشمال وبيروت، ومع التمسّك برفع النسبة المئويّة الخاصة بالفوز في التصويت النسبي، لقطع الطريق على بعض المُعارضين له. وأضافت هذه الأوساط أنّ «المُستقبل» يعلم من جهته أنّ التصويت الأكثري هو الأنسب له على مُختلف الصُعد، ويرفض كليًا فرض التصويت النسبي الذي يُفقده نصف نوّاب كتلته تقريباً، ويجعل دوره غير مُؤثّر في العديد من الدوائر الإنتخابية المختلطة. وتابعت الأوساط نفسها أنّ «المُستقبل» يعلم أيضاً أنّ القانون والدستور إلى جانبه، حيث أنّ «قانون الستّين» المُعدّل في «مؤتمر الدوحة» هو النافذ حاليًا، ولا مجال لتغييره إلا عبر التصويت في مجلس النواب، علماً أنّ «التيّار الأزرق» يعتبر أنّه قادر مع «الحزب التقدمي الإشتراكي» ومع قوى حليفة أخرى، على منع فرض قانون جديد لا يُؤمّن الحد الأدنى من مصــالحه، وذلك عبر القوّة النيابية التي يتمتّعون بها، وكذلك عبر القوّة الميثاقيّة التي يتلطّون خلفها، وهو ُلوّح بورقة «قانون التسّين» بوجه كل من يرفع ورقة «قانون النسبيّة» بوجهه.
وفي ما خصّ موقع «التيار الوطني الحُر» وسط هذا الصراع السياسي المحلّي، بإمتداداته الإقليميّة السياسية والمذهبيّة والعقائديّة، أكّدت الأوساط السياسيّة المُســتقلّة أنّ «التيار البُرتقالي» لن يبقَ مكتوف الأيدي إلى ما لا نهاية، وهو يعتزم فور الإنتهاء من بت ملف المُوازنة خلال الأسبوع المُقــبل على الأرجح، إلى رفع الصوت عاليًا لتحريك موضوع الإنتخابات. وكشفت هذه الأوساط أنّ «التيار الوطني الحُرّ» يستعدّ للقيام بضغط سياسي وشعبي واسع النطاق، منعاً لوضعه بين حدّي «التمديد المُوقّت» أو الذهاب إلى الإنتخابات بالقانون النافذ حالياً. وأضافت هذه الأوساط أنّ المسألة ستشمل كلاماً مُهمّا لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون سيُحمّل فيه النواب الحاليّين مسؤوليّة تاريخيّة، وُصولاً إلى تنظيم تظاهرات شعبيّة واسعة في حال إستمرّت كل من المُراوحة والمُماطلة على خط قانون الإنتخابات.
وختمت الأوساط السياسيّة المُستقلّة تقييمها للوضع الراهن بالتأكيد أن أحداً لا يقدر على الجزم في ما خصّ الإتجاه الذي ستسلكه الأمور في الملفّ الإنتخابي خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، لأنّ شعار «لا إنتخابات وفق قانون الستّين» لا يزال مرفوعًا من قبل رئيس الجمهوريّة وما يُمثّله من ثقل سياسي وشعبي، على الرغم مِمّا يُشاع عكس ذلك، ولأنّ التمديد القصير المُدّة لولاية المجلس الحالي، والذي صار حتميًا لدواع لوجستيّة، مربوط بالتوصّل إلى قانون جديد. وأضافت أنّه بين «رفض الستّين» و«رفض التمديد من دون قانون جديد»… لا يبقى سوى التوصّل إلى قانون تسوية في القريب العاجل، وإلا لا أحد يعرف كيف ستتطوّر الأمور، أو بالأحرى كيف ستتدهور…