اشاع اندفاع اكثر من فريق الى احياء جلسات مجلس النواب انطباعا اوحى بان تمديد الولاية اضحى على قابي قوس او ادنى من اقراره في المجلس. ربما في اول جلسة يعقدها بعد انقطاع عن التشريع لا يزال مستمرا منذ ثلاثة اشهر. ورغم جدية الحديث عن المقايضة، ثمة عقبات تعترضها
ظهر التحريك المفاجىء لدور مجلس النواب واحتمال معاودته عقد جلسات عامة، للمرة الاولى منذ 19 حزيران، اكثر التصاقا بتحريك مماثل لاستعجال تمديد ولايته، وان بدا الوقت لا يزال مبكرا على خيار كهذا، ولما يزل هناك شهران على الموعد المقرر لاجراء الانتخابات النيابية في 16 تشرين الثاني، اربعة ايام فقط قبل انتهاء ولايته الساعة صفر من 20 تشرين الثاني.
لا احد من المعنيين يربط بين الانتخابات النيابية او التمديد وبين انتخابات رئاسة الجمهورية، وكلاهما ملفان مغايران ومستقلان احدهما عن الآخر لا يلتقيان معا في اي تسوية. وقد يستمر الشغور الرئاسي الى ابعد بكثير من 20 تشرين الثاني.
بل يصح في تمديد ولاية البرلمان انه جزء مكمل للضغوط الخارجية التي استعجلت تأليف حكومة الرئيس تمام سلام في 15 شباط بغية أن تملأ الشرعية الدستورية المرشحة مذذاك للشغور وتعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الحساب نفسه في ظل توقع تعذر اجراء انتخابات نيابية يأتي تمديد الولاية لتفادي فراغ محتمل.
مع ذلك، فان الحديث عن مقايضة بين استعادة مجلس النواب دوره وعقده جلسات اشتراعية وبين تمديد ولايته لا تزال دونها عقبات جدية من دون ايصاد الابواب نهائيا، لبضعة اسباب منها اثنان:
1 ـ ان ربط العودة الى التشريع بتمديد الولاية يعكس مقايضة غير متكافئة وغير جدية، وتفتقر خصوصا الى الصدقية. بالتأكيد لا مفر من التمديد للمجلس ما دام لا سبيل الى اجراء الانتخابات النيابية بذراع سياسية اكثر منها امنية. لكن في المقابل لا ضمانات موثوقا بها بأن عودة التشريع بانتظام وفق الآلية الطبيعية لعمل المجلس، في مرحلة لاحقة على تمديد الولاية قد تتزامن مع استمرار الشغور الرئاسي، واقعة حتما بسبب انعدام الثقة بين فريقي 8 و14 آذار. وتحديدا بين رئيس المجلس نبيه بري وتيار المستقبل ورأس حربته الرئيس فؤاد السنيورة.
في ما مضى، ابان استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تعهد تيار المستقبل لبري عشية موعد بعد آخر لالتئام المجلس الحضور الى ساحة النجمة والمشاركة في الجلسة العامة. ثم راح يتراجع مرة تلو اخرى عن الحضور بذرائع شتى، اخصها رفض التشريع في ظل حكومة مستقيلة. تضامن معه حلفاؤه المسيحيون بعدما بدا لتيار المستقبل ان عرقلة جهود الرئيس المكلف، السنّي، تأليف الحكومة بين آذار 2013 وشباط 2014 مصدرها فيتو شيعي، يقتضي مقابلته بفيتو سنّي يحول دون تمكين رئيس البرلمان الشيعي من ممارسته دوره.
اي ضمانات ذاتصدقية تقرن التمديد للمجلس باستعادته سلفا التشريع؟
تكررت السابقة مجددا غداة نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان وشغور المنصب. بعد جلسات ناقش فيها المجلس مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب اولاها في 15 نيسان، ثم في جلسة 14 ايار، اتت جلسة 10 حزيران ـ وكان الشغور قد بدأ في 25 ايار ـ كي يُفتعل تطيير نصابها، واستطرادا ربط التئام المجلس بانتخاب الرئيس فحسب. على نحو كهذا، في ردّ للجميل، تضامن تيار المستقبل مع حلفائه المسيحيين القائلين بهذا الشرط، وتغيّبوا جميعا عن جلسة 19 حزيران المخصصة لاستكمال ما انتهت اليه الجلسة السابقة، ما حمل بري على القول انه اعتبر الجلسة مفتوحة ومؤجلة في الوقت نفسه، على ان يحدد موعدا آخر لها عندما تتوافر ظروف انعقادها.
مذ ذاك، وبحسب بري، دخل المجلس في شغور مشابه لشغور الرئاسة. راح يقول ان اي جلسة تعقد للمجلس يقتضي ان تبدأ من حيث انتهت جلسة 10 حزيران واستكمال البند العالق في جدول الاعمال، وهو مشروع سلسلة الرتب والرواتب. رفض القفز فوق جلسة لم ترفع ولم يُصر الى المصادقة على محضرها.
ورغم ان الرئيس الجديد لم يُنتخب بعد، ولم تذلل بذلك الذريعة المباشرة لمقاطعة الجلسات السابقة، لم تتضح تماما الحجج التي حملت الفريق المقاطع على التراجع فجأة عن موقفه، وتحوّله الى الحديث عن استعادة المجلس دوره كأنه الحدث الوحيد والداهم.
تحت وطأة انعدام الثقة الناجم عن التجربة المنصرمة، قد يبدو من غير الكافي لرئيس المجلس اظهار الفريق الآخر استعداده للتشريع، من غير اقران هذا الموقف بتعهد جدي وذي صدقية، يضمن استمرار عمل المجلس في ظل استمرار مرتقب للشغور الرئاسي.
2 ـ على وفرة ما يقال عن اتفاق شفوي، على الاقل، بين بري وافرقاء في قوى 14 آذار حيال العودة الى جلسات المجلس، ثمة قطبة مخفية مرتبطة بمسألة سوى جدول اعمال الجلسات المرشحة للتشريع، بالاكتفاء بالبنود الملحة ذات طابع العجلة او المستجد ولا يستغنى عنها. تخفي هذه القطبة جدلا قديما مستفيضا، بل خلافا حادا بين بري والسنيورة غير مطروح للتسوية الوشيكة، هو ما يطالب به الرئيس السابق للحكومة، ويدعمه تيار المستقبل، بأن يتضمن جدول اعمال الجلسة الاولى للتشريع اقرار قانون يصفّي الذمة المالية للحكومة الاولى للسنيورة عن انفاق 11 مليار دولار بين عامي 2006 و2008 لا قيود رسمية فيها البتة: لا المال الذي دخل الى الخزينة وفي صلبه المساعدات والهبات التي تلت حرب تموز 2006، ولا المال الذي خرج منها.
كان السجال استعر طويلا على هذا الموضوع ابان حكومة ميقاتي، ثم بعد استقالتها عندما اصر تيار المستقبل والسنيورة على «تنظيف» ذمة المرحلة تلك، في مقابل الخوض في الموازنات العالقة وقطع حسابات السنوات المنصرمة. بدا هذا الموقف سياسيا وماليا في آن، بغية طيّ الصفحة الماضية واعتبارها جزءا لا يتجزأ من الانقسام الوطني حينذاك، بكل التداعيات التي ترتبت عليه وتحميل الافرقاء جميعا اعباءها.
في ظل حكومة ميقاتي رفض بري الخوض في تسوية الـ11 مليارا في معزل عن كشف الحقائق المرتبطة بانفاق مخالف للقانون والاحكام الدستورية التي تحظر اي انفاق لا يحظى بموافقة مجلس النواب. تسلّح تيار المستقبل بذريعة ان البرلمان كان موصد الابواب تماما ولا ينعقد. وكمنت حجة الفريق الآخر في ان الحكومة تلك تصرّفت كأن خمسة وزراء شيعة لم يستقيلوا، وكأن لا حاجة بها اليهم والى المثول امام المجلس.
يبدو رئيس المجلس اليوم اكثر تصلبا في الموقف نفسه، وقد اضحت وزارة المال بين يدي ممثله في حكومة سلام. وهو، منذ اليوم الاول لمباشرتها صلاحياتها، يمتنع عن استجابة سلفات لا تحظى بتغطية في الموازنة العامة. قال بري مذ ذاك، واعاد الوزير علي حسن خليل تأكيده مرارا، ان وزارة المال لن تعود الى ما كانت عليه ابان حقبة السنيورة فيها قبل عام 2005، ثم بين عامي 2006 و2008.