في صحّة المواطن، ارتفاع الحرارة، السُعال، التقيّؤ، الاسهال، فقر الدم، أوجاع البطن والرأس والظهر وغيرها، كلّ هذا اسمه العوارض. والعوارض تنتج دائماً عن مرضٍ ما، ولا شفاء منها إلا بمعالجة المَرَض المُسَبِّب.
وكما في صحّة الانسان كذلك في صحّة الوطن، فإفلاس الخزينة وانهيار القطاع المصرفي وتبخّر أموال المودعين وانتحار مواطنين وغياب الكهرباء وانقطاع المياه وانهيار المستشفيات والمدارس والجامعات، وشلل المؤسسات والإدارات وضرب القضاء، دعوة الرعايا العرب والأجانب إلى مغادرة لبنان، حروب المخيّمات وصولاً إلى الاغتيالات وتفجير بيروت ومرفئها، كلّ هذه الأمور وغيرها ما هي إلّا عوارض المرض التي لا شفاء لها ولا إمكانية للتخلّص منها إلّا بمعالجة المرض المسبّب.
فلا طرح الفدراليّة ولا اللامركزية الموسّعة ولا الدولة الاتحاديّة ولا خطّة التعافي الاقتصادي ولا القانون العصري للانتخابات النيابية ولا إلغاء الطائفيّة ولا تعديل الدستور وتطويره، ولا الصندوق السيادي ولا الصندوق الائتماني ولا صندوق النقد الدولي ولا الحفر في حقل قانا ولا غيرها من الأمور ينفع لخلاص لبنان وشعبه.
فمرضنا أنّ دولتَنا مخطوفةٌ إلى خارج حدودها ودستورها وقوانينها وأعرافها وتاريخها وثقافتها ودورها، وأخطر ما في الأمر أنّها مخطوفة بِرضى أو بِدَفع من بعض رموزها ومسؤوليها وأحزابها وتيّاراتها السنيّة والدرزيّة وخاصة المسيحيّة، وإلّا ما معنى أن ينصاع هؤلاء إلى رغبة «المُرشِد» في اختيار الرئيس والوزير والمدير والحاحب، وأن ينصاعوا «لمُرشد المحور» في العَداء لأميركا والغرب والخليح والعالم المتقدّم مقابل المال وفتات سلطة وهميّة تقضي على المواطن والوطن؟
تلك القيادات، خاصة المسيحيّة منها، الخارجة على منطق الدولة والدستور، والخارجة عن دور لبنان التاريخي، تتّكل على تبعية شعوبها العمياء لها. وكأننا أمام متلازمة ستوكهولم حيث الضحيّة مُغرمة بجلّادها وترفض الخروج من ظُلمه. فهل نستفيق قبل فوات الأوان، أم أنّ مرضنا مستعصٍ؟