في موازاة الحرب الدائرة في لبنان والمنطقة على الإرهاب، هناك إرهابٌ من نوع آخر أبطاله عصابات السرقة على أنواعها وعصابات التهريب والمخدرات والأعمال المشبوهة، فيما تبقى سرقة السيارات ناشطة خصوصاً أنها تُستعمل في الأعمال الإرهابية والتفجيرات.
تتغيَّر الأسماء وتتبدّل، فيما تستمرّ العصابات في تنفيذ جرائمها، فلا توقف أعمالها حربٌ سورية مدمّرة أو سقوط أنظمة أو محاولة الإنقلاب على أنظمة اخرى، بل إنّ الفوضى تساعد تلك العصابات وتزيد من نشاطها، إذ إنها تشتري خطوط تهريب وتتعامل مع زعماء مافيات عابرين للحدود.
تبدّل العصابات
على رغم تقلّص سرقة السيارات في لبنان عام 2016، لكنّها بقيَت مهنة ناشطة، وتكمن المفارقة حسب ما تكشف مصادر أمنيّة لـ«الجمهورية»، أنّ العصابات في الجهة السوريّة المقابِلة تبدّلت وباتت تملك قدراتٍ أكبر على التحرّك والإتجار بالسيارات المسروقة.
وفي السياق، وضمن قراءة أمنية، فإنّ تهريبَ السيارات المسروقة الذي يتّخذ من بلدة بريتال البقاعية قاعدة له كان ناشطاً قبل 2011، إلى أن سقطت القرى الحدودية في يد المعارضة السوريّة على إختلاف تسمياتها، عندها تمّ تنظيمُ التهريب بطريقة مدروسة، إذ إنّ العصابات لا تعرف ديناً أو إنتماءً سياسيّاً بل همّها تصريف ما سُرق وبيعه في الأسواق الإقليمية.
بعد العمليّة التي نفّذها «حزب الله» والنظام السوري في القُصير ومحيطها ويبرود والقرى الحدودية، وسدّ الجيش اللبناني للمنافذ في عرسال ورأس بعلبك، وطرد «بارونات» التهريب وتهجير الأهالي، ظنّ الجميع أنّ تهريبَ السيارات قد توقّف لأنّ القرى باتت فارغةً باستثناء مراكز الجيش السوري و«حزب الله» وبعض المطلوبين اللبنانيين، لكنّ الحقيقة مغايرةٌ تماماً.
خطّ التهريب
وتكشف المصادر الأمنية أنّ خطّ القُصير- زيتا السوريّة ما زال خطّاً سالكاً لتهريب السيارات المسروقة، ولم يضبط حتّى الآن، وتحصل عملياتُ التهريب بعد أن تنقل العصابات في بريتال السيارات عبر هذا الخطّ وتسلّمها الى الداخل السوري.
وفي التفاصيل، فإنّ مَن يتاجر بالسيارات المسروقة في سوريا هم أشخاص نافذون داخل النظام السوري، حيث ينشطون على خطّ التهريب، فيشترونها من تجّار بريتال من ثمّ يشرّعون أوراقها في سوريا نظراً الى حال الفلتان السائدة هناك، إضافة الى قوّتهم ونفوذهم داخل الدولة، فيعمدون الى تجميعها قبل تصديرها.
وبالنسبة الى البلد الذي تصدّر اليه، فقد أظهرت التحقيقات التي تنفّذها الأجهزة اللبنانية والخارجية أنّ عملية تصدير السيارات المسروقة الى الدول العربية توقّفت بنسبة كبيرة جدّاً، وباتت وجهةُ المصدّرين تركيا، نظراً لأنّ العصابات السورية هي جهات نافذة داخل النظام وتضمّ مسؤولين يستطيعون تمريرها عبر الحواجز، فتعبر الحدودَ الى تركيا، كما ينسجون شبكة علاقات مع المافيات التركيّة التي تعمل في هذا المجال، وقد تمّ ضبط عدد من السيارات اللبنانية المسروقة في تركيا، ويتمّ التنسيق حالياً على أعلى المستويات بين لبنان وأنقرة في هذا المجال.
الأرقام
هذا بالنسبة الى وجهة التصدير، بينما في الداخل، فإنّ عمليات السرقة ما زالت تتركّز في جبل لبنان، نظراً لأنه محافظة شاسعة، فيما تنخفض بشكل كبير في العاصمة بيروت لأنّ الدوريات الأمنية فيها متواصلة وتشمل المقار الرسميّة والمؤسسات المهمّة وعدداً من السفارات.
وبالمقارَنة بين عامَي 2016 و2015، فقد سجّلت النسبةُ انخفاضاً، إذ شهد عام 2015 سرقة 1007 سيارات تمّ استرجاع 393 منها، فيما شهد عام 2016 سرقة 906 سيارات واسترجعت 340 منها، في وقت سجّل أوّل أسبوعان من سنة 2017 تدنّياً لافتاً في السرقة والتي تقتصر حتّى الآن على سيارات قديمة الطراز في الأطراف والمناطق النائية.
نقطةُ الضعف
عند حصول عمليات السرقات، هناك نقطة ضعف تسمح للأجهزة الأمنية بإلتقاط طرف الخيط. وفي هذا السياق، حصلت عمليةُ سرقة بنك «الإعتماد اللبناني» في المكلّس في 6 كانون الأول الماضي، لكن بعد تحقيقات تمّ التعرّف الى الفاعلين بطريقة غريبة، وذلك بعدما تعرّف مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية في قوى الأمن الداخلي الى السارقين من خلال ربط السيارات المسروقة بعضها ببعض.
وتنشر «الجمهورية» كيفيةَ وصول المحقّقين الى حلّ اللغز. فقد سرَقت العصابة «تويوتا إف جي كروزر» لسيدة من آل الحلو من منطقة الجديدة، وعثروا في داخلها على مفتاح «هيونداي فيلوستر» حمراء اللون عائدة لابنتها، فسرقوها أيضاً، وبما أنّ الـ«هيونداي» ليس لها سوق في سوريا، فقد قاد رأسُ العصابة «التويوتا» الى بريتال، لكنّه علق في الثلج في عيون ارغش، فأتى شخصٌ لمساعدته، وفي هذه الأثناء صودف مرور دورية للجيش فظنَّ السارق أنها تلاحقه، فترك «التويوتا» وهرب.
وفي الموازاة، استخدَمت العصابة «الهيونداي» في سرقة جيب «شيروكي» أبيض اللون من رأس الدكوانة، لتستَخدمه لاحقاً في سرقة «بنك الاعتماد».
وعندما حضر الشخص الذي حاول مساعدة «التويوتا» في عيون ارغش الى مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية، رأى صور المتّهمين وتعرّف الى سمير صبحي زعيتر الذي هرَب في عيون ارغش وترك «التويوتا»، وبذلك تمّ الربط بين العمليات ووصلت التحقيقات الى كشف الفاعلين، إذ إنّ الذي سرَق «التويوتا»، سرق «الهيونداي» التي سرقت جيب «الشيروكي» المستخدَم في عملية بنك «الإعتماد»، والذي تمّ التخلّص منه بعد تنفيذ العملية.
عندئذ دهمت شعبة المعلومات عصابة زعيتر، وقبضت على أفرادها وعثرت على الـ«هيونداي فيلوستر»، فيما لاذ هو بالفرار، علماً أنّ زعيتر كان يشكّل عصابة وألقي القبض على بعض أفرادها بعد موجة التفجيرات التي ضربت الضاحية ولبنان عام 2014 بسيارات «كيا» المسروقة. وتعمل القوى الأمنية حالياً على مطاردة ما تبقّى منها.
رواياتٌ أخرى
تبقى مطاردة عصابات سرقات السيارات مستمرّة، فالعدد الكبير من المتهمّين يعاود مزاولة مهنته بعد انتهاء مدّة محكوميّته. وفي السياق، خرج من السجن منذ فترة عددٌ من المتهمين أبرزهم (عباس. ا. م) و(علي. ا. م) و(أحمد. د) و(بلال. غ) وهؤلاء يبقون تحت المراقبة، لكنّ الدولة لا تستطيع إيقافهم مجدّداً قبل تورّطهم في أعمال سرقة جديدة.
السبت في 7 كانون الثاني، كانت بعلبك على موعد مع توقيف أحد أهم العصابات التي نشطت في السرقة. إذ تمّت سرقة سيارة إحدى الشركات ونقِلت الى حورتعلا، فتمّ تحديد موقعها عبر (ج بي اس)، وذهب صاحب الشركة الى السارقين ودفع واسترجعها، وعندها تمّ رفع البصمات وتحديد رأس العصابة وجرت ملاحقته والقبض عليه. في وقت قُبض على (ع. د) ليلة عيد الميلاد في حي السلّم وكان من الرؤوس الناشطة في السرقة.
تختلف نوعية العمليات من مكان الى آخر نظراً الى البيئة والمنطقة التي تنفّذ بها، فبريتال مثلاً تحوي نحو 600 مطلوب نفّذوا أعمالاً مختلفة، علماً أنّ بريتال هي بلدة كبيرة ومن غير الجائز وسمَها بهذه الأعمال المخلّة، من هنا فإنّ الأمر يحتاج الى حلّ جذري من الدولة وتعزيز انتشارها الأمني في تلك المنطقة، وكذلك تعزيز حضورها الإنمائي والإقتصادي والخدماتي لكي تخرج من قبضة العصابات التي ترهقها وترهق الوطن.