ليس دقيقاً إطلاق وصف «سرية» على صيغة الحكومة التي حملها بالأمس رئيس الحكومة المكلّف إلى قصر بعبدا، ليس هناك شيء سرّي في هذا البلد، «المهمّ أن مشهد الأمس شكّل مخرجاً لبقاً لعلقة التهديد بـ 1 أيلول الذي هدّدت بعبدا بقلب الطاولة بحلوله، وشكّلت مخرجاً لبقاً أيضاً للرئيس المكلّف بتقديمه صيغة ما كرّر عشرات المرّات بأنّه «ما حدا بيعرفها إلا الرئيس عون وأنا» وبالتأكيد الله ثالثهما.
تشكلت أم لم تتشكّل، ومن الآخر، لا نظنّ أنّها ستتشكّل، العقدة الأساسية ليست في تناتش الحصص بل في الاعتداء على الدستور اللبناني واتفاق الطائف، بالأمس وردت جملة في البيان الصادر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بُعيْد مغادرة الرئيس الحريري لقصر بعبدا وتضمّن هذا البيان جملة تستدعي أن يتوقّف الجميع عندها «وقد ابدى فخامة الرئيس بعض الملاحظات حولها (صيغة التشكيلة التي قدمها الحريري) استناداً إلى الأسس والمعايير التي كان حدّدها لشكل الحكومة»… هذا تكريسٌ لأمر واقع لم ينصّ عليه الدستور في مهام رئيس الجمهوريّة، هذا كلام من خارج الطائف والدستور يُراد له أن يصبح أمراً واقعاً يفرضه مطلق رئيس جمهورية على مطلق رئيس حكومة في الواقع السياسي اللبناني!
«الأسس والمعايير التي كان حدّدها (رئيس الجمهورية) لشكل الحكومة» هذا قضم لصلاحيات الرئاسة الثالثة «عالنّاعم» ومجرّد تكريس هذا الأمر مرّة واحدة فترقبوا أزمة كبرى تعيدنا إلى واحد من أسباب اندلاع الحرب اللبنانية في سبعينات القرن الماضي، أين نصّ الدستور اللبناني في مهام رئيس الجمهورية أنه هو الذي يحدد أسس ومعايير شكل الحكومة» من أين خرجت هذه البدعة والهرطقة الدستوريّة للأسس وللمعايير؟!
المهمّ، أنّ مشهد الأمس حفظ ماء الوجه للرئاستيْن المتصارعتيْن الأولى والثالثة، وإذا كان هناك من لا يرى أننا نعيش أزمة صراع مهذّب بينهما يكون من أصحاب النظر الضعيف، وللمناسبة «التسوية» التي أنهت حال الفراغ الرئاسي لفظت أنفاسها وانتهت ولم تعد قابلة لإحيائها، وبوضوح شديد نقول، يشبه وضع الرئيس سعد الحريري مع تشكيل هذه الحكومة بالذات وضع الضغوطات التي تعرّض لها والده الرئيس رفيق الحريري في العام 2004 لفرض التمديد للرئيس إميل لحود فخرج الحريري الأب في تصريح مقتضب لكن معبّر جدّاً «يستطيعون أن يجبروني على التمديد لكن لا يستطيعون إجباري أن أعمل رئيس حكومة»، كانت هذه العقدة الكبرى التي واجهها بشار الأسد وجماعته يريدون فرض التمديد للحود ويريدون أن يفرضوا على رفيق الحريري أن يكون رئيس حكومة ممنوع من العمل ومطوّق بأذرعهم وتقّالاتهم»، التجربة نفسها تكرّرت مع الحريري الإبن، وما زالت مستمرّة!
المشكلة الحقيقيّة في لبنان هي تأجيل المواجهة، أو بمعنى آخر محاولة إزاحة الخلافات الأساسية والكبرى «عجنب» وتركيب اتفاقيات أو تسويات هشة وموقتة لا تلبث أن تصطدم بحائط الخلافات الكبرى، تماماً كخدعة النأي بالنفس، إلى متى سيبقى الهروب إلى عناوين من عيّنة «حكومة وحدة وطنيّة» يؤمن حلولاً صغيرة وقصيرة الأجل والنَّفَس؟! بصراحة على الجميع أن يحددوا مواقفهم وبوضوح في أي محور سيكون لبنان، وإن كان عملياً لبنان مختطف منذ 8 آذار العام 2005 من محور إيران ومن معها.