Site icon IMLebanon

وقف الإستيراد من سوريا يتحوّل أزمة علاقات

هل يتحول القرار الذي أقدم عليه وزير الزراعة اكرم شهيب امس بوقف استيراد الخضار والفاكهة من سوريا الى نقمة في صفوف المزارعين، وبدلا من ان يُريحهم ويفسح المجال امامهم لتصريف الانتاج اللبناني، قد يشجّع التهريب غير الشرعي وينشطه حيث لا حسيب ولا رقيب، خصوصاً أن للتهريب “أربابه”؟

أصدر وزير الزراعة أكرم شهيب، قراراً مدّد بموجبه قرار منع إدخال شاحنات الخضار والفاكهة من منشأ سوري الى لبنان حتى 1 شباط 2017، بهدف حماية المزارع اللبناني وإنتاجه”. وقد احتاط شهيب بقراره هذا من اي ردة فعل سورية، غامزاً من قناة مطار رفيق الحريري الدولي الذي يستعمله الجانب السوري كمحطة ترانزيت لتصدير بضائعه، محذراً من قطع هذا الشريان الحيوي امامه.

صحيح ان قرار شهيب جريء، لكنه قد لا يخدم العلاقات التجارية بين البلدين وهذا ما جاء في اطار الرد السوري على القرار، كما انه سيساهم خصوصاً في تنشيط خط التهريب غير الشرعي الذي له “أربابه” بين البلدين، والذي رغم كل القرارات التي سبق ان أصدرها شهيب للحد منها، فهي لا تزال ناشطة وتفتقد الى التشدّد في ضبط الحدود.

لكن هل أن توقيت القرار هو الأنسب اليوم، بالاستناد الى الاتي:

– ان طريق البر لم يعد الطريق الفضلى للتصدير الزراعي بعد اقفال الحدود في وجه الشاحنات اللبنانية بنتيجة الحرب الدائرة في سوريا وكان آخرها اقفال معبر نصيب وهو كان الممر الوحيد الذي تمر عبره الشاحنات اللبنانية الى سوريا ومنها الى الاردن او العراق وتالياً الى الدول الخليجية.

– اعتماد البحر كوسيلة لتصدير الانتاج اللبناني رغم كلفته المرتفعة والمدعوم من الدولة.

– عدم جدوى القرارات السابقة التي سبق ان أصدرها وزير الزراعة والمتعلقة بوضع حد لإغراق الاسواق بالخضار والفاكهة المهربة وذلك من خلال مكافحة التهريب عبر الحدود والذي نشط بشكل ملحوظ في الفترة الاخيرة، ما أدّى الى تفاقم مشكلة تصريف الانتاج اللبناني واغراق الاسواق اللبنانية بالمنتجات السورية بأسعارها البخسة، فأعدمت اي فرصة للمنافسة مع المنتجات اللبنانية.

فهل ينجح قرار شهيب في إنهاض القطاع الزراعي اللبناني ولو جزئياً، فيلتقط انفاسه خصوصاً واننا في ذروة مواسم الانتاج؟

الردّ السوري

الرد السوري على قرار شهيب لم يتأخر، فقد اعتبر وزير الاقتصاد السوري همام الجزائري أن القرار لم يراع المهل القانونية وجاء مفاجئا وفوريا وهو لا يخدم الاعراف التجارية.

واكد الجزائري حرصه على المزارع اللبناني كحرصه على المزارع السوري و”هو ما تم تطبيقه في بداية العام عندما اتى وفد من المزارعين اللبنانيين وكان لديهم فائض في محاصيل الموز وتمنوا على الحكومة السورية فتح اسواقها للموز اللبناني، وقتها قمنا بشراء المحاصيل الفائضة، واوقفت سوريا شراء الموز من مصادر اخرى واعفي الموز اللبناني من الرسوم الجمركية”.

واعرب عن مفاجأته من توقيت القرار بعد انتهاء موسم الموز، موضحا ان “الحرص على مصلحة المزارعين في البلدين يأتي عبر التنسيق في الرزنامة الزراعية بين البلدين وليس بالقرارات المفاجئة”.

الحويك

على الصعيد الداخلي، لاقى قرار شهيب ترحيباً من جهة وانتقادا من جهة أخرى على اعتبار ان ما سيلي هذا القرار من ردود ستكون أقسى على لبنان وكان يمكن تفعيل غيرها من القرارات التي من شأنها ان تخدم القطاع اكثر.

في هذا السياق، كشف رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويك ان الجانب السوري صدّر الى لبنان عام 2015 منتجات زراعية تقدّر بأكثر من 90 الف طن، في حين صدّر لبنان الى سوريا منتجات زراعية بـ 35 الف طن.

اما احصاءات العام 2016، فتظهر انه خلال الاشهر الاربعة الاولى من العام الحالي جرى تصدير17 الف طن من الموز اللبناني الى سوريا في مقابل استيراد 27 الف طن من الخضار والفاكهة السورية.

اما عن قرار وزير الزراعة، فقال الحويك: لا شك ان حماية الانتاج الزراعي اللبناني مطلوبة، لكن برأيي كان يمكن للجانب اللبناني اللجوء الى تدابير اخرى لحماية الانتاج مثل اعادة العمل بالرزنامة الزراعية التي توقف العمل بها عام 2012، اعتماد اجراءات حمائية غير جمركية مثل تشديد المراقبة والتدقيق بالالتزام بالمواصفات على ان هاتين الصفتين غير موجودتين او لا يتم تطبيقهما. كما يمكن تفعيل المراقبة الصحية واجراء الكشوفات على نسبة الترسبات الكيمائية الموجودة في الخضار والفاكهة.

ورأى الحويك ان قرار شهيب لم يكن حكيماً، نظراً الى ما قد يترتّب عليه من ردات فعل، وكأن المطلوب اليوم الدخول في حرب من نوع آخر مع سوريا. وشدد على ان للبنان الحق في حماية منتجاته انما بطرق واساليب أخرى.

فها هي سوريا اليوم تهدد لبنان بإبقائه خارج عملية اعادة اعمار سوريا، كما تهدد بمنعنا من تصدير الموز، ونتخوّف كذلك من عدم السماح لنا باستعمال معبر الترانزيت الذي يبدو ان سوريا تسعى الى فتحه مع العراق.

كل هذه المؤشرات تدل على اننا دخلنا في متاهة كان يمكن لنا ان نحصل على النتيجة نفسها مع الجانب السوري لو لجأنا الى اساليب أخرى.

ورأى الحويك رداً على سؤال ان هذا القرار قد يخدم المزارعين الى حد ما، إلا أنه في المقابل سيساهم في تنشيط التهريب.

ترشيشي

في المقابل رحب رئيس تجمع مزارعي البقاع ابراهيم الترشيشي عبر “الجمهورية” بقرار وزير الزراعة، خصوصاً وانه اتخذ بناء على “طلبنا”.

وإذ دعا الى “عدم وضع القرار في خانة المهاترات والخلافات السياسية، أكد انه سيكون لسوريا الأفضلية والأولوية في الاستيراد عندما سنحتاج إلى منتجات غير متوفرة في لبنان، أما أن نستورد منتجات سورية لتكديسها فوق بضائعنا وفي أسواقنا في ظل الوضع الصعب الذي نعيشه، فهذا أمر لا يجوز، خصوصاً أن المزارعين اللبنانيين يفتقدون إلى أبواب التصدير.

وشدّد ترشيشي على ضرورة المحافظة على أفضل العلاقات بين البلدين لكن لا يجوز تشريد المزارع من أرضه فيبيعها ويتجه للعمل كناطور للمباني في بيروت.

كما لفت الى ان المزارع يدفع كل الضرائب المتوجبة وكل تكاليف الزرع لكن ما يحصل انه بعد اغراق السوق بالمنتجات السورية، بات التاجر يميل نحو شرائها لانها أقل ثمنا ويقوم بتصديرها عبر العبّارات البحرية والطائرات والمستوعبات تماماً كما المزارعين اللبنانيين، مستفيداً من الدعم الحكومي.

وعمّا اذا كانت اسعار المنتجات الزراعية سترتفع بعد وقف الاستيراد السوري، اشار ترشيشي الى ان الاسعار لن ترتفع كثيرا، لان التجار السوريين كانوا يعمدون الى بيع المنتجات في لبنان بخسارة بهدف الحصول على العملة وليس بهدف تحقيق الارباح.

وكما ان لبنان في ذروة انتاجه الزراعي حالياً، وكل أنواع الخضار والفاكهة موجودة “ولسنا في حاجة الى استيراد أي صنف من الخارج”. وقد أخضع الوزير استيراد كل المنتجات الزراعية الى اجازات مسبقة.