IMLebanon

امنعوا الفوضى… لمصلحة لبنان والعرب!

لا أظن ان أولوية بالغة الخطورة والإلحاح كانت لتتقدم كل القضايا والمآسي التي يعانيها اللبنانيون بأبشع الصور أكثر من أزمة النفايات التي باتت تتهددهم بأفدح الكوارث الصحية والبيئية، فضلاً عن تحولها رصاصة اللارحمة القاتلة في كل رأس الفشل السياسي والرسمي. ومع ذلك ترانا مرغمين على التطلع الى الكارثة الأخرى التي تطبق على أنفاس اللبنانيين وأعصابهم من خلال تهديد مصائر مئات العاملين في دول الخليج في ظل العجز المماثل عن معالجة أزمة العلاقات المتردية بين لبنان والمملكة العربية السعودية بما لم يسبق له مثيل في تاريخ هذه العلاقات التي كانت دوماً نموذجية في عراقتها وتاريخيتها وفي تشابك المصالح الأخوية والعربية.

نسارع الى القول إن الايام السابقة من عمر هذه الأزمة تسببت للبنانيين بصدمة إضافية ليس من منطلق الخوف من تداعياتها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والسياسية فحسب، بل جراء الاستمرار غير المتوقع في التصعيد بحيث سقطت كل وسائل الاحتواء الفوري التي حاولت الحكومة وتحديداً رئيسها اللجوء اليها لوقف سلسلة الإجراءات العقابية في حق لبنان عند حدود ما اتخذ منها حتى الآن. بلغنا الآن عنق الزجاجة في هذه الأزمة التي كشفت ان معظم المعنيين اللبنانيين ولا سيما منهم أولئك الذين استخفوا بالموقف الرسمي وسخَّروه لمآرب اقليمية مناهضة لمصالح لبنان لم يكونوا قط على مستوى ادراك تحولات كبيرة حاصلة في الاتجاهات السعودية والخليجية عموما حيال مناهضة النفوذ الايراني المتمدد في المنطقة. حصل ما حصل وانكسر لوح الزجاج، فماذا ترانا فاعلين اليوم لتفادي المزيد من الخسائر؟

لا تدعي امتلاك المخارج السحرية ووعظ الحكومة والتنظير المجاني والبلد يفيض بكلام غير مسؤول ومؤذ ومسيء الى اصحابه قبل سواهم، لكننا لن نتردد في التحذير من ان أخطار هذه الأزمة، ما لم تستوعب في أسرع وقت، قد تؤدي الى استشراء الفوضى اللبنانية وبلوغها حدوداً قياسية بالغة الخطورة . ثمة ما يثير السخرية في تحذيرات البعض من ان القسوة المفرطة في الإجراءات السعودية والخليجية ستؤدي الى تقديم لبنان لقمة سائغة الى النفوذ الايراني. والواقع ان ما جرى أثبت استحالة هذا الاحتمال لان الغضب اللبناني من المتسببين بالازمة مع الخليج شكل استفتاء واسعاً ضد الهيمنة الايرانية على لبنان. لكن ذلك لا يشكل وحده أي ضمان لحماية لبنان من تداعيات العاصفة، ما لم تحصل مراجعتان سريعتان باتتا مطلوبتين بإلحاح: مراجعة حكومية وسياسية عاجلة قبل ارتكاب أي حماقة جديدة من شأنها زيادة التوتر بما يستحيل معه تجنب السقوط الاخير في فخ تأليب الدول الخليجية على لبنان. ومراجعة خليجية أيضاً لمسار الاجراءات المتخذة وما يمكن ان يحصل في حال المضي في تصعيد الضغط على بلد يرزح تحت وطأة اخطار الانهيارات من كل جانب. وما لم تحصل المراجعتان في السرعة المطلوبة لمصلحة لبنان والدول الخليجية معاً، فان خطر هذه الازمة لن يَصْب الا في تعميم الفوضى اللبنانية وتوسيعها ومن ينفخ في نار توظيفها ضد لبنان والعرب.