IMLebanon

أوقفوا السياسة  في جمهورية اليأس

سنبقى نتفاءل على أمل أنَّ يوماً ما سنصبح بلداً لا سياسة فيه، وسنبقى نناقش إلى أن نُقنعهم بأنَّ التفاؤل بدونهم هو سمة الحياة، وسنبقى نقاوم كل نزعات الإستسلام لأنها مرادفة للموت البطيء. هذا قرار وخيار وليس رهاناً، وقد يبلغ بنا الأمر حد تأسيس حزب لا للسياسة والسياسيين، وذلك للأسباب التالية:

السياسيون، سواء هُم في الداخل أو في الخارج يُحقِّقون أمنيتهم إذا استسلمنا، فمَن يريد لهم أن يستمروا؟

ومَن يقبل أن نستسلم؟

إنَّ السياسة لا تُدمِّر الحاضر فحسب، بل تقضي على المستقبل وتمحو الماضي:

آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا تعبوا وكدُّوا وذاقوا الأمرَّيْن من أجل أن يؤسسوا لنا ما نحن فيه اليوم، إنَّ السياسة العقيمة تمحي ماضي أصلنا وجدودنا، فمَن يرضى بهذا؟

***

ثم إنَّ الإستسلام لسياسيينا في لبنان هو أكبر خطأ جسيم للجيل المقبل، فإذا استسلمنا فهذا يعني أننا اتخذنا قراراً بالقضاء على المستقبل أي على أولادنا وعلى أحفادنا، فماذا عسانا أن نقول لهم:

نحن صمدنا وصولاً إلى بلدٍ يُدار إلاّ بالسياسة وسياسييه، وأنتم ما عليكم إلا القبول؟

لا لن نكون إلا مع وطن بعيد عن السياسة ومماحكاتها مهما اشتدت الأعاصير، فإذا كانت المشكلة في التركيبة السياسية فما من تركيبة استمرت إلى ما شاء الله، فها هي الأنظمة التوتاليتارية تهاوت تباعاً، فلو أنَّ شعوب تلك الدول استسلمت لهم لما كان لهذه الدول أن تتهاوى، لو أنّ الشعب الألماني استسلم لكان جدار برلين ما زال قائماً حتى اليوم. لو أنَّ شعوب دول أوروبا الشرقية استسلمت لكانت اليوم على حالها من الفقر والديكتاتورية.

إنه الخيار بين أيدينا، إما أن نقبل، وإما أن نصمد في تفاؤلنا فننتصر في الحاضر ونكون أوفياء لماضي الاباء والأجداد وأمناء لمستقبل الأحفاد.

***

لا، لن نكون الجيل الأخير الذي يبقى في البلد الذي عليه أن يتحمل تسلط السياسيين على شعب بأكمله، والمفارقة في ما بينهم التي أوصلت الوطن إلى حافة الهاوية، فيما الأجيال الآتية لن يكون لها مستقبل إلا خارج البلد.

لن نكون جمهورية لا وظيفة لها سوى تصدير الأدمغة، في المحصِّلة هذه ليست وظيفة، إنّها عملية انتحار عن سابق تصور وتصميم. نحن لم نسهر على أولادنا وأحفادنا لنُصدِّرهم إلى الخارج ويأتون إلينا أسبوعين في كلِّ سنة. أولادنا وأحفادنا، كما نحن وكما آباؤنا وأجدادنا، وُلدوا في لبنان قطعة سما على الارض ليعيشوا ويحققوا ذواتهم وليس في المغتربات.

***

هذا الكلام ليس من باب الوجدانيات والخواطر، بل من معظم الشباب اللبناني أولاً ثم من كل صاحب مؤسسة وشركة ومصنع ومسؤول عن عائلات تعتاش من استمرارها وانتاجيتها، ليأتيه في آخر الزمان أنَّ لا كلام في وطنه سوى الكلام عن مناقصات وإزالة النفايات من الشوارع. ناهيك عن باقي الملفات الأسوأ، كحال الكهرباء في بلد النور. السؤال الى أين أوصلتمونه حضرات الحكام والسياسيين والقادة الكرام، إنه من باب التصميم والواقع ورفض الحال الظرفية التي نحن فيها، لبنان ليس هكذا، لم يكن ولن يكون هكذا.

عاصر آباؤنا وأجدادنا حربين عالميتين، وبينهما حرب مجاعة ولم يستسلموا، فأين نحن من هذه الحروب الثلاثة في ثلاثة عقود؟

لو أنهم استسلموا لكان لبنان اليوم غير موجود على الخارطة بل إن أبناءه مشتتون في أوروبا والأميركتين. فلماذا يكون الآباء والأجداد أكثر بأساً منا؟

ولماذا نكون أكثر يأساً منهم؟

***

خلاصة القول بالرغم من القرف العارم الذي يعترينا، سيأتي اليوم الذي سيبعث وطننا نظيفاً من السياسة المدمرة الفتاكة.