Site icon IMLebanon

ما الذي ينتظره بايدن ليطلب وقفاً للنار؟

 

 

على غرار ما يعانيه «محور الممانعة» من مشكلات تطفو على سطح الأزمة بين فترة واخرى منذ السابع من تشرين الاول الماضي، يعاني الحلف الداعم لاسرائيل نوعاً مشابهاً عبّرت عنه محطات عدة وخصوصاً على مستوى العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. وهي معادلة لم تعد خافية على احد عند التعمّق في ما هو مطروح من مخارج للمأزق القائم. وعليه يبقى مهمّاً فهم ما يريده بايدن ولم يتحقق ليطلب وقفاً للنار.

تحفل الكواليس بعشرات التقارير الديبلوماسية والاستخبارية والسياسية التي تناولت الهزات الداخلية التي يعاني منها اطراف المواجهة في قطاع غزة، والتي تفنّد بالتفاصيل المملة حجم الخلافات القائمة وتلك المحتملة، وخصوصاً في المحطات المهمّة من فصول الحرب الدائرة وعلى أي من جبهاتها. وهي في مجملها تشير بوضوح كبير الى كثير من «التحالفات المركّبة» التي يمكن اعتبارها «موسمية» او «مؤقتة» قياساً على حجم التطورات العسكرية وما انتهت إليه بعض العمليات التي يمكن إدراجها على لائحة العمليات النوعية التي أجبرت طرفي النزاع على إجراء تغييرات جذرية في طريقة ادارة المعركة والاساليب التي تنوعت، بما فيها تلك التي قادت الى استخدام اسلحة جديدة قد يكون بعضها مما يُختبر للمرّة الاولى، كما تلك الممنوعة دولياً التي استخدمتها إسرائيل مطمئنة إلى فقدان المحاسبة او تعذّرها.

 

وقبل الدخول في تفاصيل ما يعانيه أطراف النزاع كل على حدة، لا بدّ من الإشارة الى انّ بعضاً من هذه التقارير اشار الى حجم الإرباك الذي تسببت به عملية 7 تشرين الأول الماضي على الطرفين. ومردّ ذلك الى عنصر المفاجأة الذي كان له وقعه على كل الساحات الحليفة والعدوة في آن. فلا يمكن ان يتجاهل الساعون الى قراءة الحرب من جوانبها المختلفة والبحث عن عناصر القوة والضعف لدى اي منهما، ومكامن النجاح والفشل، ان من بين ما حملته الملاحظات في عدد من هذه التقارير ما كان متوقعاً وحتمياً ولا يستأهل المناقشة. وهو ما ادّى الى عملية فرز واضحة وجلية كانت سبباً كافياً لاستمرار الحرب التي اقتربت من يومها التسعين وهي مرشحة للاستمرار، في ظل الفشل المدوّي في الوصول الى ترتيب وقف ثابت ونهائي للنار، على الرغم من النيات الهادفة إلى هذه المرحلة، والتي واجهتها وقائع قاسية وضعت سداً منيعاً امامها.

 

وعليه، فإنّه وفي مقابل تلك التي تتحدث عن العلاقات البينية بين القوى التي جمعتها حركة «حماس» بعد عملية «طوفان الأقصى» بالجملة والمفرق، هناك ما يوحي بالمثل على مستوى المحور الآخر، وهو ما تترجمه المواقف المتناقضة بين المسؤولين الأميركيين الكبار ونظرائهم الاسرائيليين من جهة اخرى، من دون تجاهل خروج عدد غير قليل من حلفائهم عن السقف الاستراتيجي الذي رسمته المواقف على أعلى المستويات.

وإن توقف المراقبون بداية، أمام ما تعانيه «جبهة الممانعة»، فإنّ القوى التي تقف خلف «حماس» ما زالت قاصرة عن توفير الدعم العسكري والامني المباشر لها، طالما أنّها تخوض الحرب – ومعها حلفاؤها من الأصدقاء والخصوم من المنظمات الفلسطينيةـ ما زالت تدور على بقعة محاصرة من كل الجهات، بعدما سدّت كل المعابر المؤدية إليها، ما خلا تلك التي استخدمت للمساعدات الانسانية وترحيل أصحاب الجنسية المزدوجة من القطاع. وباستثناء «جبهة المساندة» اللبنانية والصدى الذي أحدثته المخاوف من إمكان توسعها الى قلب المناطق اللبنانية، فانّه لا يمكن تشبيهها بأي جبهة أخرى، ذلك انّ ما عكسته على الحياة اليومية لأبناء القرى الحدودية واللبنانيين تجاوزت كل أشكال التعبير الاخرى وتكلفتها على أبناء هذه الدول التي كانت تتحدث عن وحدة الساحات في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.

 

كان ذلك قبل ان تفتح الجبهتان العراقية والسورية بنماذج مختلفة بقيت محصورة بالوجود الاميركي فيهما، الى ان دخلت الساحة اليمنية في الحرب بنحو مغاير تماماً. فعكست عملية إطلاق الصواريخ والمسيّرات في اتجاه اسرائيل متعرجات صعبة أفقدتها أي تأثير جدّي قبل ان يتوجّه الحوثيون الى فتح جبهة البحر الاحمر البحرية، فتأثرت حركة الملاحة الدولية، واضافت وجهاً جديداً للحرب ونقلتها من غزة الى ساحات أخرى. وإن كانت الادارة الاميركية قد تكفلت بجبهتي العراق وسوريا على الرغم من المحاذير التي تركتها في علاقتها مع الحكومة العراقية، فقد استكملت اسرائيل عملياتها الخاصة في سوريا، فأخرجت مطاراتها عن الخدمة في مناسبات عدة قبل ان تستهدف قائد قوات الحرس الثوري الإيراني فيها. فكل ذلك لم يمنع ظهور تباينات عميقة بين «حماس» والمكونات الاخرى، وكان آخرها مع الحرس الثوري الإيراني، الذي حاول احد قادته وضع اليد على ما حققه «طوفان الأقصى» قبل لململة ما جرى.

 

اما على الجبهة المساندة لاسرائيل، فتبدو الخلافات اكبر وبعضها ظهر الى العلن، كخروج فرنسا من حلبة مجلس الأمن الدولي، وباتت في مواجهة «الفيتو» الاميركي الذي حال دون وقف إنساني للنار، كما بريطانيا التى انتقلت الى محطة الامتناع عن التصويت، وصولاً الى المواقف الاسبانية والبلجيكية على ابواب تسلّم بروكسل مهمّاتها في رئاسة الاتحاد الأوروبي مطلع السنة الجديدة. وما زاد من ذلك، الحملات الإعلامية التي تواكب الحراك الشعبي الرافض للمجازر الاسرائيلية، كما حصل في مدن أميركية وأوروبية وفي اميركا اللاتينية، وكل ذلك عكس تشويهاً لصورة اسرائيل وطاول حلفاءها، ما بات يهدّد في حال تماديها، الرئيس الأميركي الذي يستعد لأم المعارك الانتخابية الرئاسية سعياً الى تجديد ولايته.

 

هذا غيض من فيض ما يعانيه المحوران، إلاّ انّ أي رهان على التهدئة بات محصوراً بقرار اسرائيل بوقف عدوانها، وهو أمر يسعى إليه الجميع بمن فيهم الإدارة الاميركية، التي ومهما بلغت حدّة ملاحظاتها ما زالت ترفدها بالأسلحة والصواريخ وقذائف المدفعية، حتى تلك التي تتسبب بدمار رهيب، وقيل انّ بعضها قيد التجربة الاولى. وهو ما ظهر في بعض الغارات على الأراضي اللبنانية، حيث استُخدمت قبل فترة الصواريخ الخارقة للتحصينات حتى الأنفاق، ومنها ما جُرّب في سهول الجنوب، حيث من المرجح ان تكون هناك أنفاق للحزب. كما بالنسبة الى الصواريخ «الفراغية» التي تنتج دماراً شاملاً، وتلك «الانشطارية» التي توزع «شفرات تقطّع أطراف البشر وأعناقهم».

 

والأخطر تقول التقارير المتعددة، انّ الرهان على موقف اميركي حاسم يقود الى وقف الحرب، ما زال متعثراً، ذلك انّه ومهما قيل، فإنّ بايدن وحتى هذه اللحظة، لم يطلب وقفاً للنار على الرغم من ملاحظاته التي عبّرت عن خشيته على مستقبله الانتخابي، وهو ما عبّر عنه في آخر اتصال مع نتنياهو قبل ستة ايام. فمثل هذه الخطوة ما زالت مستبعدة، وهناك مهل اخرى امام اسرائيل للمضي في عدوانها اينما اتجهت بآلتها العسكرية، بما يعني انّ لدى بايدن مطالب تفوق ما تسعى اليه اسرائيل ولم تتحقق بعد. والى تلك اللحظة المتغيرة، ما على لبنان سوى انتظار مزيد من المفاجآت، لعلّها تكون ايجابية على الرغم من منحاها السلبي.