IMLebanon

أوقفوا هذه المهزلة

 

تكاد إذا سألت أي مواطن لبناني ومن أي طائفة أو مذهب أو حزب: هل تشعر أنّك حاصل على حقّك كاملاً؟ يجيبك: ولا أدنى حقوقي حتى.. ومع هذا ما يزال العرض المستمر لرئيس التيار الوطني الحرّ يستفزّ اللبنانيّين كلّما أصر على إيهامهم بأنّه يريد استعادة حقوق المسيحيّين كاملة، هذا البازار الشعبوي بات مملّاً جداً واستثماراً رخيصاً في الغرائز الطائفيّة والسكوت على هذا الهرج اليومي لم يعد مقبولاً وعلى كلّ المستويات، وكلّ صمت عن هذا الكلام هو تواطؤ على لبنان واللبنانيّين!

 

آخر مزايدات الوزير باسيل بالأمس تصريحه بأنّه «لا يظنن أحد أننا توقفنا أو سنتوقف قبل استعادة حقوقنا الكاملة بأن نكون متساوين في هذا البلد»، لا نفهم كيف يُقرأ هذا الكلام ولا من المعني به، ولا من هو الذي «لا يُظنّن»؟! ولا أيّ حقوق تلك التي يريد باسيل أن يستعيدها كاملة ولا ممّن؟! لأنّه من الغباء الاستمرار في تصنيف كلام باسيل على أنّه مجرّد كلام شعبوي ومن أجل شدّ العصب، على العكس هذا كلام مقصود وهو استهداف وإطلاق نار يومي على وثيقة الوفاق الوطني وعلى اتفاق الطّائف ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل العام 1990 قبل إقرار الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهليّة، وأن ما يقوله المبعوثون إلى دار الفتوى هو غير ما يقوله جبران باسيل تصريحاً أو تلميحاً، وأنّ الاستمرار في دفن الرأس في رمال «التسوية» من أجل مصلحة من هنا ومحاصصة من هناك هو تآمر على حقوق كلّ الطوائف اللبنانيّة الأخرى التي يستهدفها جبران باسيل بكلامه وعلى رأسها «الطائفة السُنيّة» التي ناضلت كثيراً لنيل حقوقها التي أنصفها بها اتفاق الطائف، وللمناسبة «التسوية الرئاسيّة» لا تعني أبداً اعتداء فريق على الأفرقاء الآخرين، ولا «إفلات» الحبل على الغارب لوزير لا يعرف أي تنتهي حدوده ولا احترام حدود وحقوق الآخرين!

 

هذا الاستعراض اليومي لم يعد محمولاً ولا مقبولاً، ومن المفيد للجميع ضبط وزير الخارجيّة في حجمه الطبيعي، وكفاه تنمّراً باسم استعادة حقوق المسيحيّين على الطوائف الأخرى، خصوصاً وأنّ «وقف العدّ» ارتضته الطوائف الكبرى في البلد وتوقّفت عن إعلان أنّها تمثّل الأكثريّة في لبنان، وأنّ الحقوق التي يدّعي باسيل أنّه يريد استعادتها ليست بحقوق أصلاً لأنّ المناصفة هي بين يمثّل أكثر من النّصف ومن يمثّل أقلّ من الثّلث!

 

هذا العزف الباسيلي اليومي على وتر الغرائز المسيحيّة يستفزّ أشباحاً مخيفة عند الطوائف الأخرى بل يستفزّ «الجماد»، وما يريد أن يدغدغ به باسيل غرائز يستثمرها في معركته «الرئاسيّة» ـ في ظلّ وجود رئيس للبلاد والمدّة المتبقّية لولايته ثلاث سنوات، وهذا أمر غير مسبوق في لبنان ـ  يدغدغ في نفس الوقت ردود فعلٍ غاصبة عند الطوائف الأخرى وهي محقّة في غضبها هذا.

 

لا يعوّل على «الحياء السياسي» عند رئيس التيار الوطني الحرّ ووزير الخارجيّة، فالممارسة السياسيّة التي شاهدناها طوال السنوات الماضية تؤكّد أنّ ما نعنيه مفقود في الأداء الباسيلي، وأنّ أمراً واحداً ينفع في هذه الحالة وهو الضرب على طاولة وضع حدٍّ لهذا السلوك المفرط في استفزاز الآخرين، وحده الرئيس تمام سلام أدرك أنّ التعامل مع باسيل لا ينفع إلا بالضرب على الطاولة وإفهامه بالطريقة التي يفهمها حدوده وحجمه، وطالما لم يجد باسيل من يضرب له بقبضته على هذه الطاولة فهذا الاستعراض المملّ مستمر إلى ما شاء الله، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن النّاس لم تعد تحتمل الاستمرار على هذا المنوال من الاستفزاز!