قليل جداً، وبسيط جداً، كل ما قيل وسيُقال لاحقاً عن المصيبة، المهيبة، الرهيبة، المعيبة التي نَدَر أن عرف لبنان السيِّد الحر المستقل شبيهاً بها أو مثيلاً لها. فضيحة الفضائح حكاية الزبالة، وفصولها، والحلول التي هطلت عليها ولم يبق منها أثر. لا، لا يُقاس دفتر تشريفات الزبالة الواسع الصفحات بأي دفتر لقضية مماثلة عرفها لبنان وتلذَّذ بها اللبنانيّون، بصحبة الوزراء والخبراء من كل حدب وصوب.
كل ما يُشاع ويذاع ويصدع الأسماع يومياً قليلٌ حقّاً وفعلاً، إذا ما قيس بواقع الزبالة، وواقع حال الحكومة، ووقائع المعالجات والاقتراحات المفروشة على صفحات المجلدات.
فَلَقوا البلد المفرّغ المعطَّل المشلول بالاجتماعات، والاقتراحات، والحلول من مقيمة وترحيلية، ومنتشرة عشوائياً وكيفياً، من الناقورة الى النهر الكبير. ومع كل صباح خبرية جديدة، وبشرى من كعب الدست بحلّ من كعب السنديانة لمعضلة الزبالة التي طغت سمعتها العطرة على سمعة الفراغ الرئاسي…
لم تتكرَّم الحكومة ولجانها، مرَّة على الأقل، وتشرح للرأي العام الذي يُصرُّ الرفيق الشيخ سعيد تقي الدين على اعتباره بغلاً قصة “كنز الزبالة” منذ اكتشاف عجائبه حتى الساعة، مروراً بعشرات التلزيمات التي لم يطلع عليها الضوء… والأسباب “الحقيقية” الكامنة خلف وأمام وعلى جوانب كنز الزبالة الذي ستدخل سيرته صفحات التاريخ طبعاً.
كلمة لهذا الوزير الأصيل، كلمة للوزير الوكيل، كلمة للوزير المتضرر، كلمة لرئيس الوزراء الذي يفضِّل التكتُّم على التكلُّم، وهكذا أمر البلد والزبالة منذ برز نجمها وطغى وتعنتر.
الأزمة الرئاسية بقيت ضمن حواضر البيت، وأحاديث المناسبات العابرة. أزمة الزبالة وصل صيتها، وأسرارها وتفاصيلها، وخلاف الوزراء حولها الى جوار حدود سيبيريا. جملة من الألغاز. والبعض يذهب الى حد القول إنها حكاية من الألغام، أين منها حكاية إبريق الزيت. إنما مع رائحة متواصلة تعطّر الأجواء اللبنانية على مساحة عشرة آلاف وأربعمئة واثنين وخمسين كيلومتراً مربعاً.
ومع التداخل والإندماج الفعّال بين الزبالة والمجارير والمجاري والمساقي والبراري. ومَنْ لا يعجبه، فهذه سيبيريا في انتظاره.
تقرأ السطور وما بينها. تقرأ القرارات المختصرة وما لم تمر على ذكره. تقرأ العديد من الآراء المتضاربة حول قرار واحد. مثلاً، ما هي الأسباب التي أجازت الترحيل مع طبل وزمر وزغاريد، ثم ما الذي حصل حتى طار الترحيل وسيبيريا خلال ليلة لا ضوء قمر فيها؟
ثم، ما هي المستجدات المحلية التي اكتشفتها حكومة العباقرة، وأدّت فوراً للعودة الى أحضان “حلّ المطامر” الذي يوفِّر من جهة، ومن أخرى يبقي الزبالة “محروسة” في أرضنا وأنهرنا ومجارينا وحقولنا، مع إضفاء نكهة مسائية تهبّ لتعطّر أجواءنا؟ راجعت مجموعة الصحف الصادرة أمس، فوجدت خبر زبالتنا متصدراً، مع إشارة الى سهر الحكومة على معالجة مشكلتها!