IMLebanon

عاصفة الحزم والمستجدات المتوقعة

 

صحيح أن بعض المسؤولين الإيرانيين قد صرحوا بكثير من الطاووسية والإستكبار، بأنهم باتوا يسيطرون على بلدان «الهلال الخصيب» المتمثلة خاصة بالعراق وسوريا ولبنان (وغزة) وأن هذا التصريح يمثل أمرا واقعا يفاخر به الإيرانيون كونه يمثل الركائز الأولية والأساسية «للأمبراطورية الفارسية» بطبعتها الجديدة. 

وصحيح أن إيران قد نجحت، ولو إلى حين في اختراق الجدار الأمني لدول الخليج عامة، بما فيها السعودية، من خلال غزوها غير المباشر لليمن، وأضافت ذلك إلى نجاحاتها ذات التوصيف الأمبراطوري في منطقة المشرق العربي وتحديدا في ما أسمي بمنطقة الهلال الخصيب. 

وصحيح أن إيران خططت لسياستها التوسعية بعناية وبنظرة توسعية وتطلعات بعيدة المدى تهدف إلى بسط الهيمنة الإيرانية – الفارسية على المنطقة، حتى وصلت في مزاعمها إلى ما أسمته وسائل الإعلام الإيرانية، «بالانتصار الكبير»، وفي اعتبارها أنها بعد أن أطبقت على العالم العربي عموما من خلال ممارساتها التوسعية، وعمد بعض قادتها إلى تسمية بغداد كعاصمة للأمبراطورية الفارسية المتجددة، وها هي، ومن خلال الحوثيين وبقايا الفاسد الأكبر علي عبدالله صالح في السلطة والجيش والمؤسسات اليمنية، تحاول الإطباق على موقع جديد، ومطل شديد الأهمية والحساسية للطموحات الإيرانية، على الخليج العربي، وبالتحديد على المملكة العربية السعودية.

صحيح ذلك كله، حتى لساد القلق الشديد والتحسب والتخوف، العالم العربي بأسره وانتقلت المخاوف، إلى إطارات العالم الإسلامي، حتى اذا ما شئنا أن نكون أكثر دقة، فإننا نحدد بأنه انتقل إلى ما نسبته ما يتجاوز الخمسة وثمانين بالمائة من العالم الإسلامي وقد لبث هذا التعلق وهذا التخوف سائدين، إلى أن جاءت المفاجأة التي لم تكن في حسبان أحد، جاءت «عاصفة الحزم»، بريادة وقيادة المملكة العربية السعودية، فكانت عاصفة ساحقة أطلقها خادم الحرمين الشريفين عنوانا لعهده الجديد، وإعلانا مدويا بأن العالم العربي مهما ساءت أوضاعه وتدهورت أحواله واشتد التآمر عليه من القريب والبعيد، يبقى كيانا تنتفض فيه الحياة وتعيده إلى الوجود القادر والفاعل، خاصة اذا ما واجهته مطامع وتحديات تهب عليه رياحها العاتية من خلف الحدود الإيرانية، وأية حدود تتمكن إيران من وضع اليد عليها، بشتى الوسائل والأساليب. 

وها هي عاصفة الحزم تعيد الأمور إلى بعض نصابها، والآتي أشد وأشمل وأعظم. إن الدنيا قد تغيرت، ولم تعد تتقبل بأي شكل من الأشكال الممارسات الطاووسية والتوسعية المتغطرسة التي أعادها إلى الوجود في هذا العصر، المتفلتون من كل الروابط، والضوابط، والمتلهفون إلى ماض امبراطوري عفا عليه الزمن، خاصة إذا اتخذ له نهج العدوان والتوسع ووضع اليد على البلدان المجاورة والقريبة والتحكم بالشعوب من خلال تسليمها في الغالب لأقليات تتحكم بمقاليدها ومساراتها، وتخلق منها ميليشيات ذات إيديولوجيات تنتمي وترضخ إلى ايديولوجيتها، وتحارب بها وبرجالها وبقدراتها، وتعرضها للمهالك والمخاطر والتدمير، وتضعها وجها لوجه، أمام مستقبل مظلم ومجهول. هكذا كان الحال في سوريا فأوصلتها الأوضاع القائمة إلى حال الموت والدمار والخراب والتشرد، وما زالت الهيمنة الإيرانية مصرة على احتوائها وإبقائها تحت سلطتها كائنا ما كانت الأثمان باهظة، ويكاد العراق أن يكون على نفس الحال ونفس النهج ونفس النتائج، مشيرين إلى أن أسوأ النتائج التي أطلقتها السياسة الإيرانية إلى المنطقة تمثلت في تلك القوى التكفيرية التي أطبقت على كل من سوريا والعراق واستدعت كل هذه النزاعات والإحترابات والتحالفات الدولية والإقليمية. وما زال الوطن العربي عموما، وسوريا والعراق خصوصا يعانون من أخطارها وشرورها أشد المعاناة. ونترك الحكم على أوضاع لبنان، لأهله وأبنائه فهم الأقدر على وصف الحال التراجعي الذي يعانيه هذا البلد من جراء الزج به في مصالح الآخرين وحروبهم، وخوض الحروب بأبنائهم، محتميا بأجسادهم وأرواحهم. 

ونحن في مرحلة التحول هذه والتي بدأنا نشهد معالمها تطل بوضوح على مسرح الأحداث الإقليمية والدولية، ومن هذه المعالم، تلك الإنتفاضة السعودية التي راهن الإيرانيون على أنهم لن يروا لها أثرا في المدى المنظور، وذلك التضامن العربي الذي ظن الكثيرون أنه قد بات من مخلفات الماضي المندثر، وذلك التأييد الإسلامي الواسع الذي لم نر له وجها شموليا بالحجم الذي نراه اليوم، وتلك العاصفة الحازمة والصاعقة، التي انطلقت في اليمن تساند سلطاته الشرعية وتزيل عنه ضغوطات التآمر الإيراني المتبني للحوثيين ولأنصار علي عبدالله صالح الفاسد الأكبر والأخطر. وتلك الأحداث التي عادت إلى التأجج الشديد في سوريا، الغارقة في دماء أبنائها وأطلال دمارها وخرابها وتشرد غالبية شعبها داخل البلاد وخارجها، وها هي إدلب، مرشحة لأن تكون عاصمة للحكومة السورية الإنتقالية بعد أن اكتسحها التآلف المعادي للنظام القائم. إن امورا كثيرة بدأت في اتخاذ أوجه وتوجهات مختلفة.

ما يجري في المنطقة وفي العالم في هذه الأيام… خطير… خطير… خطير… كل الظواهر والدلائل تؤشر على خطورته وأثره السلبي، وبالتحديد على لبنان ومستقبله ومصيره، وليس سوانا جميعا بكافة انتماءاتنا من يستطيع أن يمنعنا عن مسيرة الإنتحار الجماعي إذا ما استمرت خلافاتنا وانقساماتنا العمودية إلى درجة نعجز فيها عن انتخاب رئيس للبلاد وصولا في هذا العجز إلى درجة لا نتمكن فيها من ملء الشواغر العسكرية والإدارية التي تفرغ واحدة بعد أخرى، وإلى وضع مؤسساتي وإقتصادي وإجتماعي بات يتدحرج بسرعة نحو المهاوي السحيقة الحافلة بالمخاطر.