Site icon IMLebanon

«عاصفة الحزم».. وسقوط الحلم الإيراني

 

بعد سنة على «عاصفة الحزم«، يتأكّد خطأ الذين اعتقدوا ان في استطاعتهم فرض امر واقع في اليمن. حقّقت العملية العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية الهدف الاساسي المتمثل في عدم سقوط اليمن في يد ايران.

كان هناك حلم ايراني بالوصول الى باب المندب والسيطرة على ميناء عدن وتحويل الحدود الطويلة بين اليمن والسعودية مصدر تهديد مستمرّ للمملكة وللدول الخليجية. اضافة الى ذلك، يشكّل اليمن موقعاً استراتيجياً يمكن لايران الانطلاق منه للقيام بمغامرات جديدة في مختلف بلدان القرن الافريقي، مثل اثيوبيا واريتريا والسودان وجيبوتي… وصولاً الى مصر.

نجد الآن عدن خارج سيطرة الحوثيين (انصار الله)، الذين كانوا يعتقدون بعد وضع اليد على صنعاء في الحادي والعشرين من ايلول/سبتمبر 2014 انهم باتوا «الشرعية الثورية« وانّ ليس في استطاعة اي طرف ايقاف تمدّدهم. بدت شهيتهم للسلطة لا حدود لها، خصوصاً بعدما سهل لهم التحالف الذي اقاموه مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الالتفاف على تعز واختراق المحافظات الجنوبية والوصول الى مضيق باب المندب ذي الاهمّية الاستراتيجية الكبيرة.

كانت استعادة عدن، عاصمة الجنوب، الصيف الماضي نقطة تحوّل في هزيمة المشروع الايراني الذي كان «حزب الله« في لبنان مكلّفاً به. لو لم يكن الامر كذلك، لما كان كلّ هذا الصراخ الصادر عن الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.

كان ملفتاً تصاعد الحملة التي يشنّها نصرالله على المملكة كلّما تراجع المشروع الايراني في اليمن، وصولا الى الوضع القائم الآن، وهو وضع يتميّز في المنافسة القائمة داخل صنعاء بين «انصار الله« من جهة وحزب الرئيس السابق «المؤتمر الشعبي العام«. انحصر همّ كلّ طرف من الطرفين في الايّام القليلة الماضية في افهام الآخر انّه صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في صنعاء وذلك مع اعلان اسماعيل ولد الشيخ ممثل الامين العام للامم المتحدة عن اتفاق على وقف «الاعمال العدائية« الشهر المقبل تمهيداً لبدء جولة جديدة من المفاوضات اليمنية – اليمنية، قد تنعقد في الكويت.

كان ملفتاً على هامش مرور سنة على بدء «عاصفة الحزم«، ذلك الخطاب الفارغ من اي مضمون الذي القاه زعيم «انصار الله« عبدالملك الحوثي. تحدّث الحوثي عن «اللغط« الذي يحيط بوجود وفد من «انصار الله« في السعودية والاسباب التي دفعت اعضاء الوفد الى دخول اراضي المملكة. زاد عبدالملك الحوثي اللغط لغطاً. لم يجب عن السؤال الاساسي المتعلّق بالحل السياسي.

هل يريد «انصار الله« المشاركة في الوصول الى حل سياسي ام لا، خصوصاً أن البيان الصادر عشية بدء «عاصفة الحزم« اكّد ان هدف العملية العسكرية التوصل الى حل سياسي. يقوم هذا الحلّ على ما نصت عليه المبادرة الخليجية ونتائج ما توصّل اليه مؤتمر الحوار الوطني الذي استمرّ اشهرا عدة. خرج هذا المؤتمر بقرارات في حاجة الى تصحيح وتوضيح، خصوصاً بالنسبة الى جعل اليمن «دولة اتحادية ذات ستة اقاليم«. لماذا لا يحصل هذا التصحيح والتوضيح؟

بدل ان يضيع عبدالملك الحوثي نفسه ويضيع اليمن واليمنيين بكلام من النوع المضحك – المبكي عن تحالف قائم بين السعودية والولايات المتحدة واسرائيل، كان الاجدر به ان يتذكّر انّه قدّم اكبر خدمة لاسرائيل عندما رفع «انصار الله« شعار «الموت لاميركا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود«. هل من خدمة اكبر من هذه الخدمة لاسرائيل التي اخرجت قبل ايّام، بفضل تفاهم مع بعض الحوثيين، تسعة عشر يهوديا من يهود اليمن ونقلتهم الى تل ابيب؟ كان هؤلاء بين مجموعة قليلة من اليهود ما زالت في اليمن وكانت معهم نسخة من التوراة، محفوظة في البلد، تعتبر من بين الاقدم في العالم.

كان كلام عبدالملك الحوثي بعيداً عن الواقع. كشف انّه لا يعرف شيئاً عن العلاقة بين السعودية والادارة الاميركية، كذلك لا يعرف شيئاً عن اسرائيل التي لا مصلحة لها في الوقت الراهن سوى بالتفرّج على ما تسبب به الحوثيون من عزلة لليمن ومن افقار لبلد فقير أصلاً، بل هو افقر بلدان المنطقة.

جميل ان يستفيق احدهم على القضية الفلسطينية هذه الايّام، لكنّ الاجمل من ذلك ان يقتنع بانّ كل ما يفعله بدءا برفع شعار «اللعنة على اليهود«، وهو شعار عنصري، خدمة مجانية لدولة عنصرية تريد ان تظهر في كلّ وقت في مظهر الضحية.

يحتاج اليمن في الوقت الراهن الى بعض الواقعية بدل الكلام عن القضية الفلسطينية و«المؤامرة« الكونية التي يتعرّض لها البلد. يحتاج اليمن الى حلّ سياسي وصيغة جديدة لبلد منهك يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر. لم تكن «عاصفة الحزم« عملية عسكرية فقط. كانت عملية ذات طابع سياسي اكّدت ان ليس في الامكان تجاهل المصالح العربية وان الكلام عن سيطرة طهران على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، كلام سابق لاوانه.

لن تخرج المزايدات اليمن من ازمته العميقة. سبق لكثيرين ان حشدوا في صنعاء، خصوصً في المرحلة التي سبقت محاولة اغتيال علي عبدالله صالح في حزيران/يونيو 2011. تبيّن في نهاية المطاف ان التظاهرات لا تقدّم ولا تؤخر، كذلك الصراع الدائر داخل اسوار صنعاء. ثمّة حاجة الى استيعاب ان «عاصفة الحزم« لن تتوقف في غياب الحل ال-سياسي الذي يضمن عدم تحوّل اليمن الى مستعمرة ايرانية تهدّد السعودية ودول الخليج العربي.

هناك مكان للجميع في اي تركيبة جديدة لليمن. لا احد يستطيع الغاء الحوثيين الذين تعرّضت منطقتهم لظلم تاريخي منذ قيام الجمهورية في العام 1962، لكن هذا شيء وان يحكم «انصار الله« البلد كلّه وان يجروا مناورات عسكرية على الحدود السعودية، شيء آخر.

لا يستطيع احد الغاء احد في اليمن. لكنّ لا احد يستطيع الغاء الواقع القائم على انّ لا مفرّ من حل سياسي يأخذ في الاعتبار كلّ المكونات اليمنية، خصوصا استحالة استمرار الوحدة من جهة والعودة الى حل الدولتين (الشمال والجنوب) من جهة اخرى.

هل هناك من يريد استيعاب الواقع الجديد لليمن، ومخاطر انتشار «القاعدة« وارهابها في مناطق مختلفة، ام هناك من يريد استمرار الصراع الدائر داخل اسوار صنعاء؟ بدأ هذا الصراع في العام 2011 بحجة ان «الربيع العربي« بلغ اليمن وان الاخوان المسلمين باتوا مهيئين لتولي السلطة. لن ينجح «انصار الله« حيث فشل الاخوان.

البداية تكون بان يأخذ كل طرف يمني حجمه الحقيقي في حال كان مطلوبا انقاذ ما يمكن انقاذه من البلد…