بالغت ايران، شفهيّا وعمليّا، باستعراض عضلاتها كقوة اقليمية الى حدّ دفع بدول «مجلس التعاون الخليجي«، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، الى اللجوء الى القوة العسكرية عبر تحالف عربي-اسلامي حماية للامن العربي وحفاظا على المصالح العربية التي واظبت ايران على انتهاكها في خضم خوضها مفاوضات شاقة مع الغرب حول ملفها النووي لم تؤت بعد ثمارها النهائية.
فمن تبجح مسؤوليها باستتباع اربع عواصم عربية على الاقل الى تدخلها العسكري المباشر والواضح في العراق وسوريا والى التدخل المماثل عبر ادواتها في لبنان واليمن، بات امن الخليج العربي على المحك فيما طهران تسعى، عبر مفاوضات النووي، الى مقايضة الاتفاق باعتراف دولي يكرس نفوذها في الاقليم.
ويلفت متابعون الى ان ايران دخلت مرحلة المفاوضات النهائية في لوزان وبيدها ملف الشرق الاوسط مرصعا بتصريحات مسؤوليها عن مدى هيمنتهم، وبوجود قائد فيلق القدس قاسم سليماني على ابواب تكريت، مع كامل الدعم لبشار الاسد ولـ«حزب الله» في لبنان ولـ«انصار الله» في اليمن. لكنها وقبيل الموعد النهائي للتوصل الى اتفاق اطار وجدت ملفها شبه فارغ مع انطلاق «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية ومشاركة عشر دول عربية الى جانب باكستان وتركيا خصوصا وان لباكستان قوتها النووية ولتركيا انخراطها في حلف الاطلسي.
وقد استبق توقيت انطلاق العملية العسكرية، التي فرضت حصارا فعليا على امداد الحوثيين بالاسلحة الايرانية ان عبر المطارات او الموانئ، بأيام قليلة انقضاء المهلة المحددة لانجاز اتفاق الاطار منتصف ليل الثلاثاء- الاربعاء، كما استبق بأيام قليلة القمة العربية في شرم الشيخ التي قررت للمرة الاولى انشاء قوة عربية مشتركة.
ويلفت سياسي لبناني سيادي الى ان السعودية وحلفاءها بادروا إلى الخطوة من دون تنسيق مسبق مع الادارة الاميركية التي يتهافت رئيسها باراك اوباما على انجاز اتفاق نووي يعوض عبره خساراته في المجالات الاخرى داخلية كانت او خارجية. ويدلّل على ذلك اعتبار رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السيناتور جون ماكين ان التحرك العربي العسكري اتى «من دون تنسيق معنا لانهم يشكون اننا الآن حلفاء ايران» فدول المنطقة بنظره لم تعد تثق بالولايات المتحدة.
ورغم ان انجاز اتفاق الاطار في المهلة المحددة لم يكن محسوما، يرى المصدر ان «عاصفة الحزم» اثرت في مسارات التفاوض، ان عبر تشدد ايراني مستجد خشية عدم النجاح بتكريس اعتراف دولي بنفوذها الاقليمي، او عبر تلكؤ غربي استفاد من المبادرة العسكرية العربية للتمسك بشروطه خلافا للموقف الاميركي.
فمع انقضاء المهلة وتمديدها ليوم واحد هو امس الاربعاء، توقع المصدر اما ان تتوالى التمديدات او ان يتم الاعلان صراحة عن وقف لمدة محددة «للتشاور» خصوصا في ضوء الغموض الناجم عن تصريحات متضاربة بين «تقدم مقبول» و«تقدم غير كاف لضمان اتفاق سريع» اضافة الى مغادرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الفرنسي لوران فابيوس وآخرين.
فالعملية العسكرية، التي أعقبت فشلا متكررا في دفع الحوثيين الى الحوار، والتحالف العربي فوق خلافات ابعدها قسرا التمادي الايراني، هدفهما «التوصل الى توازن يؤدي الى تهدئة واستقرار» وفق المصدر نفسه الذي يلفت الى اختلاف واضح بين «النشوة العربية» التي فجرتها هذه العملية والنشوة التي سبق للعرب ان عاشوها مع جمال عبد الناصر ولاحقا مع منظمة التحرير الفلسطينية. ويؤكد المصدر ان الوعي العربي، ووعي اللبنانيين خصوصا، سيؤدي حكما الى عدم تعارض نظام المصلحة العربية مع المصالح الوطنية الكيانية لان الهدف ليس مدّاً عروبياً توحيدياً وانما عيش مشترك لمختلفين متساوين.