IMLebanon

«عاصفة الحزم» والصفعة المزدوجة

كل ما أرادته طهران وموسكو في مساعيهما الأخيرة لتجاهُل المبادرة الخليجية التي أطلقت الحوار بين اليمنيين، هو مساواة بين الشرعية والتمرُّد. وبتجديد محاولتها لترويج «مبادرة» النقاط الأربع، سعت إيران إلى أن تستغل القنوات المفتوحة بينها وبين عواصم الغرب منذ دفع مفاوضات البرنامج النووي، لانتزاع تفهُّمٍ يُربك ولادة القرار 2216 أو يعطّلها، دون جدوى.

لكنّ للصفعة المزدوجة، بعداً آخر، إلى الإصرار على إنقاذ الحوثيين المتمرّدين من ضربات «عاصفة الحزم». فالقرار الدولي- «اليمني» الذي كان ثمرة جهود خليجية مكثّفة، أحيا فاعلية مجلس الأمن التي تعطّلت خصوصاً بسبب الحرب في سورية، واستخدام الروس «الفيتو» لحماية حلفائهم.

الصفعة المزدوجة لطهران هذه المرة، جاءت على يد حليفها الروسي الذي طوى في مجلس الأمن أول من أمس، ورقة التعطيل وامتنع عن التصويت على القرار 2216 الذي يتيح غطاءً دولياً لعملية «عاصفة الحزم»، ويعاقب التمرد الحوثي بالفصل السابع.

وترجمة القرار ستعني ان المجلس بات ملزَماً بمعاقبة جماعة الحوثيين إن لم ترضخ، وتتخلَّ عن مؤسسات الدولة وألوية الجيش التي «خطفتها»، نتيجة تحالفها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح… وتنسحب من العاصمة والمدن الأخرى.

تلك الصدمة لإيران قد تفسِّر تصاعد نبرة الغضب لديها، على لسان المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، في ملف المفاوضات النووية. بل هناك مَنْ يرجِّح اقتناع الإيرانيين بوجود «خديعة» غربية لهم، بعدما كان وفدهم العائد من لوزان يلقى استقبال «الأبطال»، والدول الكبرى لا تُبدي جدّية كافية في متابعة أهداف زحف الحوثيين إلى جنوب اليمن، ولا قلقاً من مغزى إيجاد موطئ قدم لطهران على البحر الأحمر، وفي باب المندب.

وبين دلالات القرار الجديد لمجلس الأمن الذي يُحبط آمال إيران بإنقاذ الحليف الحوثي- الذي موّلته وسلّحته، لتقف على إحدى ضفّتي البحر الأحمر، في مقابل الضفة المصرية- أنّ الشرعية الدولية كرّست مجدّداً تبنّيها المبادرة الخليجية للحوار في اليمن بمشاركة الحوثيين، ولم تعترض على عملية «عاصفة الحزم» أو تتحفّظ عنها، بل تقاطعت مع أهدافها: إنهاء التمرّد على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.

الإحباط الروسي «الديبلوماسي» والخيبة الإيرانية سياسياً وعسكرياً، مردُّهما إلى امتناع القرار 2216 عن طلب وقف غارات التحالف العربي الذي تدخَّل في اليمن، استجابة لطلب هادي. بمعنى آخر، لم تتعامل الشرعية الدولية مع دول عربية مؤثرة بموقعها وقدراتها، كتعاملها مع فريق يمني كان يذهب إلى طاولة الحوار ويطلق في آن مسلّحيه لإخضاع مدنٍ وقبائل وألوية عسكرية بالقوة والابتزاز.

ليست تلك حتماً إدانة لشريحة من شعب عربي بل لفئة خطفته أولاً قبل الأرض والدولة والسلاح، ولم تتّعظ بتجربة أخرى دفعت فيها إيران أموالاً طائلة وقدّمت سلاحاً، لينتحر عرب آخرون مجاناً، لا لشيء إلا لتُثْبِت جمهورية المرشد أن ميزان القوى في الشرق الأوسط تحرِّكه وتعدِّله بأصابعها. كبُرت اللعبة في اليمن، حيث توهّم رئيس سابق أن بإمكانه ان «يشغِّل» جماعة الحوثيين لحسابه، إيران تغذّيهم، وهو يحرّكهم.

فات وقت التساؤل عما إذا كان الغرب توقَّع تحرُّكاً عربياً للإنقاذ، بقوة «عاصفة الحزم». وبعد قرار مجلس الأمن، كما قبله، لا وسيلة لوقف انتحار الحوثيين سوى إذعان مسلّحيهم للشرعية العربية والشرعية الدولية… والعودة إلى الحوار. وأما افتراض إصرارهم على تخيُّل نصرٍ ما، لمجرّد أنه أمنية إيرانية، لكي تُثبت طهران أن انتصاراتها فوق الجميع، فهو الطريق الوحيد لاستكمال الانتحار.

في حقبة سوداء، بين ملامحها السعي إلى «نظام دولي جديد»، عرّابه الكرملين، كيف تستقيم محاولات موسكو- باللغة الديبلوماسية- تجاهل شرعية منتخبة في اليمن، وتضليل الجميع بالدعوة إلى حظر تسلُّح شامل، لا يستثني الدولة؟ كيف يستقيم مرة أخرى ادعاء إيران أن قضية الحرب في اليمن «ينبغي أن يحلّها اليمنيون»؟… هي لا تتدخّل إلا في تسليح مَنْ يخطف الدولة، ويحتجز حكومتها رهينة، ثم يحاور. يقتل قبل الحوار لأن الدولة «داعش»!

الدهشة لا تكفي إزاء ما تشهده المنطقة العربية، ولا الأسى والتنديد. الخرافة الكبرى أنّ مَن صَنَع كذبة عدم التدخُّل واستمرَأَها لثلاثة عقود، صدّقَها وظنَّ أن جميع العرب يصدّقونه… أو على الأقل من يعتبرهم «ضعفاءهم».