بينما تستمر العملية العسكرية،لاحباط انقلاب تحالف الحوثيين مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح على الشرعية، حتى تحقيق أهدافها،كما أعلن خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، يأتي البيان الختامي للقمة العربية التي انعقدت في شرم الشيخ ليتبنى هذه العملية ويعلن مبدأ انشاء قوة عربية مشتركة، بالرغم من بعض التحفظات، على أن يتم الاعلان عن تفاصيلها التنظيمية والهيكلية في مهلة أربعة أشهر، بعد سلسلة من الاجتماعات تحت مظلة الجامعة العربية. لقد قطع هذا التزامن،المترافق مع النجاح في تحقيق سلسلة من الأهداف الميدانية وعدم قدرة الانقلابيين على استعادة المبادرة، الطريق على العديد من ردات الفعل العربية والاقليمية حول شرعية التدخل والأهداف وارتداداتها.
ان المتابعة المتخصَصة لمراحل تنفيذ العملية العسكرية،بدءاً من السرية التي رافقت تقدير الموقف واتخاذ القرار وتشكيل الائتلاف العملياتي وتحديد الاجراءات الميدانية، تدلَل على أقصى درجات الاحتراف. لقد نجحت القوات الجوية المشاركة في تحقيق التفوق الجوي في ساعات معدودة، من خلال السرعة في شل قدرات قوى التمرد وقطع طرق الامداد عنها، بالتزامن مع تنفيذ عمليات اخلاء بحرية وجوية لدبلوماسيين عرب واوروبيين، الأمر الذي يتطلب قدرات وخبرات كبيرة في مجالي القيادة والسيطرة لا تتوفر في أكثر الجيوش خبرة وتجربة، مما يزيد الثقة بالقدرات العربية ويعزز فرص التعاون والمشاركة مع قوى دولية في عمليات مماثلة.ويبقى التميز في مجال الاعلام الحربي ليس بالمقارنة مع عمليات عربية مشتركة أقل حجماً، وانما مقارنةً مع عمليات دولية علامة فارقة في الدقة والشمولية والاقتضاب.
ان الترجمة العملية لعدم تكرار مرحلة الابتعاد بل الانقطاع عن الالتزام بالأمن القومي العربي، ألتي تلت تسوية «كامب دايفيد»،والتي أحدثت فراغاً جيواستراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط دفع بقوى اقليمية ودولية لملئه، تستلزم اتخاذ اجراءات ميدانية وقائية لا تنتظرحكماً الانتهاء من تشكيل القوة العربية المشتركة. ان الهاجس الرئيس ههنا هو أمن البحر الأحمر، الذي تحوَل خلال السنوات العشرين المنصرمة مجالاً حيوياً لنشاطات اقليمية مناوئة للأمن العربي قد لا تكون تداعياتها أقل تهديداً من تلك المترتبة على الأزمة اليمنية. ويجدر في هذا المجال القاء الضوء على العلاقات الناشئة والأنشطة الاسرائيلية والتركية والايرانية في كل من ارتريا وجيبوتي والصومال، التي شكَلت حتى ثمانينيات القرن الماضي جزءاً من بقعة الاهتمام العربي والعربي- الأفريقي.
ان البحر الأحمر هو بحر عربي بامتياز وهو ممرَ رئيس نحو البحرالمتوسط ونحو المحيط الهندي لدول عربية ودول أفريقية أعضاء في جامعة الدول العربية، تشاطئه بامتياز سواء على ضفته الشرقية، المملكة العربيةالسعودية(1550 كلم) واليمن (410 كلم)، أوعلى ضفته الغربية، مصر (940 كلم ) والسودان (500 كلم ) واريتريا (700 كلم ) وجيبوتي ( 150 كلم ) والصومال (900 كلم مع احتساب الضفة الجنوبية لخليج عدن )
ارتريا مجال حيوي لكل من اسرائيل وايران
تتبع أكثر الجزر المسكونة والصخرية الخالية في البحر الأحمر لدولة إرتريا وعددها 126 جزيرة، استأجرت إسرائيل ثلاثاً منها هي «ديسي ودهول وشومي»، وجاء توقيع إيجار هذه الجزر ذات المواقع الإستراتيجية خلال زيارات رسمية قام بها رئيس جمهورية اريتريا «افورقي» لإسرائيل في نوفمبر عام 1995، وتم خلالها التوقيع على اتفاقات ثنائية عديدة أهمها تلك المتعلقة بالإستراتيجية الأمنية في البحر الأحمر، والاشراف على حركة الملاحة من مضايق تيران حتى باب المندب، كما تم توطين 1000 إسرائيلي إفريقي من يهود الفلاشا ليعملوا في المزارع المقامة للتمويه على الغرض العسكري لها.
وقدمت حكومة إسرائيل بالمقابل عدداً من الزوارق الحربية السريعة المزودة بالصواريخ متوسطة المدى مع منظومة رادار بحري وبطارية صواريخ آلية «جبراييل» تعمل بإشراف مجموعة تدريب إسرائيلية تقدم خبراتها للقوات البحرية الارترية.
أما المستأجر الثاني فهو ايران حيث أثمرت زيارة الرئيس «أفورقي» لطهران في 20 مايو 2009، عن استئجار جزيرتين من هذا الأرخبيل هما «فاطمة ونهلقه»، استخدمت لبناء معسكرات لتدريب المتمردين الحوثيين بعد تسهيل وصولهم من اليمن عن طريق «ميناء ميدي» اليمني.وقد احتل الجانب العسكري حيزاً كبيراً في مباحثات الطرفين حيث تمت الموافقة لإيران على بناء قاعدة بحرية تطل على باب المندب في ميناء «عصب» في مقابل تقديم بترول بأسعار رمزية والمشاركة في التنقيب لاستخراج الذهب الذي اكتشف مؤخراً بكميات كبيرة في الجبال المجاورة للحدود الإثيوبية.
الصومال بين تركيا وايران
لا يمكن فصل زيارة أردوغان للصومال التي وصلها في 25 كانون الثاني المنصرم، بعد زيارته لجيبوتي وأثيوبيا، عن التطورات الأمنية في المنطقة. ففي الوقت الذي يمر اليمن،على الضفة الأخرى من مضيق باب المندب، بإحدى أكبر الأزمات في تاريخه منذ توحيد شطريه،بسبب تغول ميليشيات أنصار الله الحوثيين، أتت زيارة أردوغان كاشارة على تأكيد النجاح التركي في مدّ نفوذه إلى الصومال، بكل ما يحمله هذا البلد، من أهمية استراتيجية لإطلالته على خليج عدن الذي يشكَل أحد أهم خطوط الشحن في العالم بين آسيا وأوروبا مروراً بقناة السويس ويضاف إلى ذلك، الحديث الذي بدأ أخيراً عن وجود كميات كبيرة من النفط في السواحل الصومالية.
وتعتبر هذه الزيارة الثانية لـ «أردوغان» إلى الصومال، إذ بدأت العلاقات بين البلدين بزيارة مقديشو عام 2011 عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، لتشكل منعطفاً هاماً في تاريخ الحياة السياسية الصومالية، حيث أعلن «أردوغان « خلالها عن افتتاح السفارة التركية في مقدشيو، كما أعرب عن تضامن بلاده مع الصومال في محنته ومعاناته السياسية والإنسانية والأمنية. وقد نظمت تركيا على أثر ذلك مؤتمراً لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، تمخض عنه تخصيص مبلغ 350 مليون دولار لمساعدة الصومال نُظّمت بعدها حملة لجمع التبرعات بين أوساط الشعب التركي الذي استجاب بسخاء منقطع النظير.
وفي ظل الانشغال الخليجي بتوترات المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، ذهبت تركيا الى تجاوز البعد الإنساني لتشمل التنمية وتطوير البنية التحتية والمؤسسات الخدماتية في قطاعي الصحة والتعليم، وترميم وتجديد مطار وميناء مقديشو، وفتح أول خط طيران دولي بين مقدشيو واسطنبول لأول مرة بعد عشرين عاماً منذ إغلاق مطار مقديشو في وجه الطيران الدولي.
ومن جهة اخرى،يحتل الصومال بالنسبة لإيران نطاقاً استراتيجياً هاماً، فهي أرسلت في العام 2009 سفينتين حربيتين إلى خليج عدن لحماية سفن الشحن التجارية وناقلات النفط الإيراني من القراصنة. السيطرة على الصومال، إلى جانب اليمن، تعني بالنسبة لها إكمال الكماشة على كل من دول الخليج ومصر، حيث سيهدد ذلك مستقبل ودور قناة السويس. وقد أشارت الكثير من التقارير الاستخباراتية إلى أن إيران حاولت كثيراً تقويض الدور التركي في الصومال عبر تقديم الدعم للجماعات الجهادية، ومنها جماعة «شباب المجاهدين» عبر الرئيس الأريتري «إيسياس أفورقي» وهو الأمر الذي أكده رئيس الوزراء الصومالي السابق علي محمد جيدي مراراً.
ان لمرحلة ما قبل «عاصفة الحزم» معنى واحداً هو غياب الرؤية المبنية على معطيات الجيوبولتيك لمنطقة الشرق الأوسط، بكل ما يعني ذلك من عدم الالمام بنقاط القوة المتوافرة وبكيفية تعزيزها وعدم القدرة على تقييم المخاطر.ان تشكيل قوة لأمن البحر الأحمر، بمعزل عن كونها جزءاً من القوة العربية المشتركة، تشارك بها كافة الدول المشاطئة، وتقوم بكافة مهام الأمن الوقائي، لجهة تأمين الملاحة وحرية التجارة والحركة فيه ووضع الاجراءات الميدانية اللازمة،هو ضرورة حيوية لعدم الوقوع في تجارب مماثلة،بل أن جامعة الدول العربية مدعوة الى اجراء تدريبات عسكرية مشتركة تشارك بها كافة الجيوش العربية بشكل دوري تحت عنوان «أمن البحر الأحمر»