IMLebanon

«عاصفة الحزم« لإعادة التوازن

«ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدم، ومن لا يظلم الناس يُظلم ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لم يكرم نفسه لم يكرم» (زهير بن أبي سلمى)

منذ سنوات طويلة لم أرَ الناس متفائلين كما رأيتهم بُعيد انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، مع أن خبر الحرب في أي مكان من العالم لا يمكن أن يكون مبعثاً للتفاؤل، لكن الشعور بالمهانة والعجز الذي ضرب العرب منذ عقود طويلة أدخلهم في حالة يأس جماعي بعد أن هُمّش وجودهم وأصبحوا مجرد أرقام في حسابات القوى العالمية الفاعلة.

ببساطة لا حساب لأحد إن لم يكن قادراً على الدفاع عن نفسه، ولا مكان في العالم لقوى معنوية إن لم تثبت قدراتها المادية على ردع العدوان المباشر الذي يطال مصالحها الحيوية. 

«عاصفة الحزم« لم تكن بداية الحرب فالحرب انطلقت منذ سنوات طويلة، منذ اليوم الأول الذي قرر الإمام الخميني إعادة تأسيس الإمبراطورية الفارسية على أرضية مذهبية. ما قاله حسن نصر الله بأن الولي الفقيه بالنسبة له هو إمام المسلمين قاطبة، هو بالفعل ما كان يحلم به الإمام الخميني، وهو الإمبراطورية الإسلامية الفارسية.

أراد الخميني أن يكون المرجع الديني والدنيوي لكل المسلمين، لكن المشروع اصطدم بالطبع بالمعوقات المذهبية لاعتماده العقائدي على مسلّمات ماورائية وأسطورية لا تشكل قاعدة إيمانية مشتركة لمعظم المسلمين في محيط إيران. 

رغم كل ذلك فقد كانت بدايات الثورة في إيران مشجعة للإمام الخميني حين أعمى بصيرة العرب بإغلاقه السفارة الإسرائيلية وتحويل مبناها إلى بعثة فلسطينية. لقد كان لهذا العمل الرمزي وقعه الكبير خاصة بعد خذلان العرب من زيارة السادات إلى إسرائيل.

يجب الإعتراف أيضاً بأن الواقع الذي أرساه «حزب الله« في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة ، وبعد إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية بتعاون مريب بين إسرائيل ونظام حافظ الأسد، دفع الكثيرين منا إلى تقبل الوجود الإيراني «الثوري» على أساس أنه يتوافق مع آمال كثر من العرب في ظل صمت أنظمتهم. وقد تفهم بعضنا حتى الموقف الإيراني في الحرب الطويلة مع العراق على أساس أنها بدأت كحرب دفاع عن النفس ضد اعتداء صدام حسين.

لقد تمكنت منظومة ولاية الفقيه من التسلل بهدوء إلى عالمنا في ظل غياب كامل للمنظومة العربية، مصحوب بإحراج واضح من قبلها لعجزها عن القيام بأي عمل بناء تجاه القضية المركزية المعنوية الكبرى وهي قضية فلسطين. 

لقد غطى هذا الواقع مضافاً إليه التقية المتقنة التي مارسها أتباع هذه المنظومة الخلاف العقائدي الكبير مع المحيط، ليس فقط لكونهم يتبعون المذهب الإثني عشري فحسب، بل لأن منطق ولاية الفقيه يعتمد أساساً على اجتهادات فقهية متراكمة عبر الزمن وعلى أساطير يختلف عليها حتى فقهاء الشيعة أنفسهم.

ما لنا ولكل ذلك الآن، فقد وصلت الأمور إلى مرحلة كشف الأوراق، وقد كانت البداية بالإعلان عن المتهمين باغتيال رفيق الحريري، وإن كان ذلك لا يكفي لكثيرين من العرب، فقد أتت قضية الثورة السورية وانغماس «حزب الله« في دم السوريين لمجرد الحفاظ على حكم متسلط لأنه من أصول دينية منسوبة الى الاثني عشرية.

ودعم المالكي صاحب الباع الطويل في الفساد المالي والسياسي والمذهبي في العراق لمجرد أنه تابع مذهبياً، والتمادي بالعبث في البحرين لأن مكونات أساسية فيها تتبع الإثني عشرية، وثالثة الأسافي كانت قضية الحوثيين لأنهم في مكان ما أقرب إلى الإثني عشرية…

كل ذلك أدى إلى احتقان شعبي من السنّة على نطاق واسع، وبكل صراحة وأسف على خلفية مذهبية، وهذا دفع السنّة في المنطقة إلى الرد على التغلغل الإيراني بشكل عشوائي بعد فشل الاعتماد على المجتمع الدولي، وفشل منطق المهادنة وحقن الدماء.

إن بداية «عاصفة الحزم» لا شك غيرت موازين القوى، وأعادت القوى الرسمية العربية كفاعل أساسي على الساحة الإقليمية بعد أن تجاهلها الإيراني والإسرائيلي والتركي والغربي على حد سواء بحكم أنها كائن فاقد للعزم والحزم. يكفي أن نتذكر كيف أعلن حسن نصر الله في احدى إطلالاته الأخيرة «انتهاء العالم العربي» لنفهم ما أرادته منظومة الولي الفقيه من إلغاء وجود العرب لتخلو الساحة لها ولإسرائيل. المطلوب اليوم من عاصفة الحزم أن تحقق أهدافها وتعيد التوازن إلى المنطقة انطلاقاً من اليمن، وصولاً إلى كل العواصم العربية التي زرع أتباع إيران أعلامهم عليها.

ليس الهدف من كل هذا هزيمة إيران كدولة، ولا إذكاء نار الغرائز المذهبية، بل على العكس! فالهدف هو استعادة زمام المبادرة من ردود الفعل الفوضوية ومشاريع التطرف ذات الطابع السني، إلى يد المنظومة الرسمية العربية، وإقناع إيران بأنه عليها القبول بأن تكون دولة محترمة ولها مصالحها في المنطقة بالتساوي مع دول المنطقة الأخرى وليس على حسابها.