كان واضحاً أن تبدّلاً طرأ على السياسة السعودية مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم. الأيام الأولى من العهد السعودي الجديد، أوحت بأن المملكة تسير باتجاه ترتيب البيتين العربي والاقليمي لمواجهة التحديات «صفاً واحداً». قاد الملك سلمان حراكاً ديبلوماسياً «سريعاً» لتشكيل محور من شأنه التصدي، ليس للارهاب فقط، انما للتدخلات الايرانية المباشرة وميليشياتها المذهبية في المنطقة.
شهدت السعودية في الشهرين الماضيين، في اطار تشكيل تحالفاتها الجديدة، سلسلة من القمم الاستراتيجية. قد تكون أهمها، تلك التي جمعت الملك سلمان بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، لما أسست له من مصالحات بين الطرفين لمواجهة «الهواجس المشتركة» جنباً الى جنب على مساحة المنطقة.
عقب زيارته الرياض، تحدّث اردوغان عن «اتفاق كامل» مع السعودية. يلحظ هذا الاتفاق، بحسب مصادر متابعة، مواجهة الاتفاق «النووي» المرتقب، وتوحيد بندقية فصائل المعارضة في سوريا ، واحتواء «الإخوان المسلمين» في بعض الدول العربية، ودعم الشرعية اليمنية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي.
شهدت الساحة السورية في اليومين الماضيين تقدما ميدانيا لافتاً للمعارضة، التي استعادت السيطرة على مساحات واسعة من ادلب ودرعا. لكن الساعات القليلة الماضية، خلطت الاوراق في المنطقة وكسرت «الستاتيكو» القائم. عاد اليمن الى صدارة الاهتمامات العربية والاقليمية والدولية، بعد ان تخطّت ايران الخطوط الحمر الخليجية والمصرية، بتقدمها العسكري، من خلال الحوثيين، في جنوب غرب اليمن، للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي بين خليج عدن والبحر الاحمر.
لم تكن الدول العربية لتسمح للحوثيين بالسيطرة على هذا المضيق مهما كلف الامر. فالخليج العربي، المحاصر ايرانياً، يرى في اليمن البوابة الاولى والرئيسة في مدخل البحر الاحمر. وسيطرة الحوثيين عليه، تعني التحكم في عملية نقل وبيع النفط الخليجي الى الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، بالاضافة الى تعرض امن الخليج لخضات سياسية واقتصادية كبيرة. كما ان سيطرة الحوثيين على باب المندب، تهدد الامن القومي المصري. بالنسبة الى القاهرة، فإن هذا المضيق هو المدخل الى قناة السويس، والشريان الحيوي للملاحة المصرية-الدولية.
من شبه الموكّد، بحسب مصادر دبلوماسية مواكبة، أن السعودية اعتمدت على عنصر المفاجأة في حربها على الحوثيين (الذراع الايراني في اليمن). تكتمت المملكة عن مخططها، ورتّبت أوراقها مع «الحلفاء»، وأطلقت «عاصفة الحزم».
بعد اعلان الملك سلمان بنفسه انطلاق العملية العسكرية، اعلنت الرياض سيطرتها بشكل سريع على الاجواء اليمنية، واستهدفت مواقع الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في صنعاء ومحافظات اخرى. وسرعان ما انضمت دول اخرى الى العملية مثل باكستان وتركيا.
ولكن لماذا باكستان وتركيا؟
مصادر مواكبة في بيروت لحراك الرياض الديبلوماسي، أكدت، بناء على تقارير وردتها، أن حلفاً اقليمياً يتشكل في الافق، يرتكز على السعودية ويمتد الى تركيا شمالاً وباكستان شرقاً وصولاً الى عدن جنوباً، ليولد بذلك «بدر اقليمي» تجمعه مصلحة في محاصرة «الهلال» التي عملت ايران عقوداً طويلة على تركيبه. قد يظهر ذلك بوضوح من خلال زيارات مكثفه وسريعة شهدها المثلث «السعودي- التركي- الباكستاني» في الشهرين الماضيين.
«بدر اقليمي» بدأت تظهر مفاعيله تباعاً في اليمن، حيث انضمت تركيا وباكستان الى «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية في مواجهة ايران. فكيف تواجه طهران المستجدات السريعة؟
التصريحات الصادرة عن المسؤولين الايرانيين توحي وكأن طهران تحاول امتصاص «الضربة الاولى» بهدوء. يقول رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني علاء الدين بروجردي، «أن دخان نيران الحرب في اليمن سيصل الى عيون السعودية». يبدو أن هذا الكلام الملطّف لا يوحي باستعداد ايران، المنسحبة من باب المندب بضغط من الاسطول المصري، الى المواجهة. اللغة الدبلوماسية الايرانية تتيح التخمين بأن بروجردي، الذي هدّد السعودية بالدخان وليس بالنار، يحاول ترطيب الاجواء. هذا ليس كل شيء. فقد اصدرت الخارجية الايرانية بيانات تطالب اليمنيين بالعودة الى الحوار، وباعتماد الحل السياسي !
من المؤكد أن المملكة العربية السعودية نجحت في خلط الاوراق لصالحها. فهي منعت سقوط مضيق باب المندب بيد الايرانيين. كما نجحت في حشد الشعوب العربية، التي ضاقت ذرعاً من الارهاب الايراني، خلفها. ولكن السؤال الأهم: هل يمكن وضع عملية «عاصفة الحزم» في اطار «اعادة التوازن الاستراتيجي» مع ايران في حديقة المملكة الخلفية، أم أن السعودية، مدعومة بحلفائها، اتخذت قرار المواجهة الواسعة؟