الجماعة الإسلامية» مع الرياض.. بمعزل عن «الخلاف المصري»
«عاصفة الحزم» تحيي «الإخوان المسلمين»
منذ هدرت الطائرات السعودية، وصل الانقسام الإسلامي ـ الإسلامي إلى ذروته، ولن يتوقف هذا الانقسام مع توقف هدير الطائرات. وبالتزامن مع خلع السعودية لقفازاتها، معلنة الحرب على النفوذ الإيراني في المنطقة، من البوابة اليمنية، تبادلت طهران و «حزب الله» الأدوار. الأولى حركت ديبلوماسيتها سعياً لوقف إطلاق النار، والثاني تخلّى عن ديبلوماسيته في التعامل مع السعودية وضرب في عمق الوهابية وجذور آل سعود.
لم تكن المواقف التي صدرت من مختلف الجهات مفاجئة. مَن في المحور السعودي، أيّد حربها على الحوثيين ودافع عنها بشراسة. ومَن في المحور الإيراني جنّد نفسه لدعم الحوثيين. وحده تنظيم «الإخوان المسلمين»، وجد نفسه في المنطقة الوسط بين المعسكرين. هو حكماً ليس على وئام مع المشروع الإيراني في المنطقة، بالرغم من أن علاقاته لم تنقطع مع طهران، لكنه في المقابل لم ينسَ للسعودية دورها الحاسم في دعم «الانقلاب على الشرعية» في مصر.
بين طهران والرياض، مروراً بصنعاء والقاهرة، ضاع «الإخوان».. وانقسموا. قيادة «التنظيم» في مصر وقفت في الوسط. أعلنت موقفاً مبدئياً يعارض الانقلاب الحوثي على الشرعية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، لكنها لم تعلن في المقابل، تأييداً صريحاً للسعودية، بل اكتفت بدعوة جميع الأطراف إلى «اللجوء إلى الحوار لإنهاء الأزمة»، وربما جاء وقف عملية «عاصفة الصحراء» بمثابة مخرج يتوافق مع طرحها بالجلوس إلى طاولة الحوار.
وإذا كان صعباً على قيادة «الاخوان» في مصر أن تعلن موقفاً مؤيداً للسعودية التي تصنفها تنظيماً إرهابياً، فإن بعض القيادات الاخوانية لم يجد صعوبة في فصل المسارين المصري واليمني، كما فعل الوزيران السابقان عمرو دراج ويحيى حامد، متوافقين بذلك مع «اخوان» اليمن («حزب الإصلاح») و «اخوان» الأردن ومع «الجماعة الإسلامية» في لبنان. وهؤلاء جميعاً حسموا أمرهم باكراً وأيّدوا السعودية في حربها على الحوثيين.
لم تؤيد «الجماعة الإسلامية» العملية السعودية وحسب، إنما رحّبت بها أيضاً. بالنسبة لها كان انقلاب الحوثيين على الاتفاق السياسي واستعمالهم السلاح لتحقيق مكاسب سياسية أمراً غير مقبول. لا بل أكثر من ذلك، لا يرى النائب عماد الحوت، اختلافاً بين ما قام به الحوثيون وما قام به «حزب الله» في السابع من أيار: «الطرفان لجآ إلى السلاح لفرض أمر واقع جديد». لذلك، يرى نائب «الجماعة» أنه «لم يكن أمام الشرعية في اليمن سوى الاستنجاد بالسعودية، في إطار معاهدة الدفاع العربي المشتركة، بهدف إعادة التوازن، وإعادة الحوثيين، الذين هم جزء أصيل من الشعب اليمني، إلى حجمهم كجزء من المجتمع لا كحاكم له».
وإذ يرفض الحوت الحديث عن أي تباين مع «اخوان» مصر بشأن «عاصفة الحزم»، يكتفي بالقول: «هم يعبرون عن موقفهم بأنفسهم، لكن بالنسبة لنا لا مواقف عدائية مع السعودية التي لم تقصّر يوماً مع الشعب اللبناني». ويوضح أنه «بالرغم من اختلاف وجهات النظر معها في الموضوع المصري، إلا أننا نؤيد تماماً ما تقوم به في اليمن». ويلفت إلى أن موقف «الجماعة» من الانقلاب العسكري الذي قام به الحوثيون هو موقف مبدئي لا يختلف عن الموقف الذي اتخذته عندما تمّ الانقلاب على الشرعية في مصر.
بعد المواقف المصرية والأردنية واللبنانية واليمنية القريبة من نهج «الاخوان»، والمؤيدة علناً لـ «عاصفة الحزم»، بالإضافة إلى الموقف الرسمي الاخواني الحيادي، الذي لا يمكن عزله عن المقاربة الجديدة للسلطة السعودية الجديدة للملف الأخواني، صار لا بد من الحديث عن سياق ثابت في العلاقة بين السعودية وتنظيم «الأخوان المسلمين». منذ زار زعيم «حركة النهضة التونسية» راشد الغنوشي الرياض لتقديم العزاء للملك سلمان بوفاة الملك عبدالله، مروراً بإعلان وزير الخارجية السعودي، في شباط الماضي، أن «مشكلتنا ليست مع الاخوان المسلمين إنما مع مجموعة صغيرة تابعة للمنظمة»، وصولاً إلى زيارة عدد من قياديي «حزب الإصلاح» اليمني إلى السعودية، قبيل «عاصفة الحزم»، ومن ثم مساندته للحرب على الحوثيين، عاد «الاخوان المسلمون» إلى المشهد الإقليمي مجدداً، من البوابة السعودية العريضة.
مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، ربطت في عددها، أمس الأول، بين «التحالف السنّي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وبين قيادتها معركة إسقاط بشار الأسد بالتعاون مع تيارات إسلامية، منها الاخوان»، معتبرة أنه قد يعود بالنفع على الإسلام السياسي، الذي يمثله «الأخوان المسلمون».
لكن مع ذلك، لا يمكن غض النظر عن عقبتين أساسيتين لا تزالان تقفان في وجه هذا التطور، وتتمثلان في الموقف الحازم لكل من مصر والإمارات من أي عودة للدور الاخواني، وهو ما يفسّر عدم انقيادهما التام خلف الاندفاعة السعودية، وسعيهما لمواجهة استباقية مع أي احتمال لاستفادة «الاخوان المسلمين» من «عاصفة الحزم».