IMLebanon

«عاصفة الحزم»: انتفاضة الأمن القومي

من ميزة الإعلام المرئي والمقروء في لبنان أنه يكشف المتحاورين والكتاب وزلاّت ألسنتهم وأقلامهم، لا بل حقيقة ما في دواخلهم من آراء ومواقف، عندما تخرج من دون وعي نتيجة انفعال وتعصب. وما نشاهده في التلفاز ونقرأه في الصحف من قبل أتباع إيران، بعد خطاب حسن نصرالله الأخير، هو نوع مشابه من النقاش الحاد النابي والجارح الذي يحمل مشاعر الحقد والكراهية تجاه السعودية وقياداتها.

باختصار، يدور حديث أتباع إيران حول «عاصفة الحزم» في الموضوعات الآتية: «العدوان السعودي على اليمن»؛ وصف السعودية بـ«الصحراء القاحلة والظلامية» و»العقل الصحراوي الظلامي»؛ التنصل من العروبة؛ وأخيراً براءة إيران من التدخل في ما يحدث في اليمن.

تحرير اليمن.. وليس الاعتداء عليه

في موضوع «العدوان السعودي على اليمن»، تُساق تهم مفبركة جزافاً بأن المملكة «تتمرجل» على الشعب اليمني الفقير، وتقوم بتقتيل الأطفال والشيوخ والنساء، وأن إيران سوف تتدخل في اليمن في الوقت المناسب بعد الانتهاء من ملفها النووي مع الغرب. إشارة إلى أن الحوثيين، وفق تقارير منظمات دولية، هم الذين يستهدفون المدنيين العزّل، ويمنعون وصول المؤن إلى مناطق في عدن. وترى الأقلام المأجورة لإيران في حملتها الممنهجة على السعودية أن ما يقوم به التحالف لتحرير اليمن من الانقلابيين (عاصفة الحزم) هو عدوان سافر على بلد مستقل، يقوم شعبه (الحوثيون) بتقرير مصيره بنفسه. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف أن أقلية بنسبة 5% أو 6% من السكان، تقرر مصير 27 مليوناً من اليمنيين؟ وفي إعلام أتباع إيران، يجري تضخيم أعداد الحوثيين وجعل جيشهم من نصف مليون مقاتل للتخويف (غسان جواد، برنامج بموضوعية).

إن استخدام مصطلح «العدوان» لوصف الإجراءات العربية ضد الانقلابيين في اليمن، لا ينطبق على الواقع. على العكس من ذلك، فما حدث على أيدي تحالف الحوثيين وأتباع علي صالح هو عدوان مزدوج: أولاً على المبادرة الخليجية للعام 2011 التي قبل بها مجلس الأمن، ووافق عليها الجميع في اليمن، وأتت بالرئيس هادي إلى السلطة بموجب انتخابات شباط 2012 وتشكيل حكومة شرعية. وقد تواصل عدوان الحوثي صالح قدماً في العامين 2014 و2015، من خلال الاعتصامات واحتلال المؤسسات ونهب الثكنات والمستودعات العسكرية، واجتياح المحافظات الشمالية ثم الجنوبية والمنافذ البحرية، وأخيراً أسر الرئيس هادي وحكومته، ولا ننسى دفع ألوية الجيش إلى الانقلاب على الحكم الشرعي في البلاد. فكانوا يتلطّون وراء مطالب اجتماعية، في حين أن غرضهم سياسي اقتصادي وهو السيطرة على اليمن بمناطقه وموارده ومنافذه. فإذا كانت هذه مطالبهم، فلماذا يتمددون إلى عدن؟ أما الشق الآخر من العدوان المزدوج من قبل تحالف الحوثي – صالح، فكان على الجزيرة العربية وممراتها المائية من ناحية البحر الأحمر، وعلى السعودية نفسها، بل على الأمنين القومي والعربي. 

بتصميم وعن سابق إصرار، يستعمل الصحافيون أتباع إيران مصطلح «العدوان السعودي على اليمن». فلو كانت المملكة معتدية بالفعل، كما يدور في مخيلة هؤلاء، لكانت قامت بذلك في العام 2009 و2010 يوم اعتدى الحوثيون على الأراضي السعودية. وبعد استيلائهم على صنعاء في أيلول 2014 وتهديد الشرعية والاستقرار السياسي في البلاد مع علي عبد الله صالح، لم يحرك السعوديون ساكناً، بل دعوا إلى حوار وطني يمني.. ودعت المملكة طوال الشهور الستة المنصرمة إلى الحوار تحت مظلة المبادرة الخليجية، فيما كانت جحافل الحوثيين وجماعة صالح تقضم اليمن شبراً شبراً. كان عليها أن تتدخل مبكراً للدفاع عن الشرعية في اليمن، وضد ما يتهدد أمنها القومي. لكنها آثرت، كعادتها، الديبلوماسية والدعوة إلى الحوار. وعندما أصبح عدوان الحوثيين ومن معهم يدق على أبواب المملكة في الجنوب، عبر تطاولهم على أمنها بإجراء مناورات تحدٍ عسكرية على حدودها بالأسلحة الثقيلة، وفي الوقت نفسه، وصولهم إلى سواحل البحر الأحمر في الحديدة، وبعدها إلى مقربة من باب المندب الممر المائي الدولي، تحركت المملكة للدفاع عن أمنها الوطني والقومي العربي. وقد شاركتها مصر، المنشغلة بالإرهاب في الداخل، في الدفاع عن الممر المائي إلى قناة السويس الذي تستخدمه 25 ألف سفينة سنوياً. كذلك، وجدت دول خليجية أخرى أن كماشة إيران بدأت تضيق عليها بشكل سافر من كل الجهات: من الخليج العربي ، ومن البحر الأحمر (العربي)، ومن العراق في الشمال بعدما أخذت ميليشيات إيران وحرسها الثوري يملآن الفراغ الذي خلفه «داعش». وبذلك كانت إيران تسعى إلى استكمال «قوسها» الفارسي من ضفة المتوسط إلى ضفة باب المندب، ولا يعوقها عن استكماله سوى وجود السعودية قبل نهايته. من هنا، كثر الحديث عن وجوب إسقاط الحكم السعودي، حتى أن بعض الأبواق طالبت بأن تُنتزع الأماكن المقدسة من إشراف آل سعود. ويذكر الجميع مؤامرات إيران الأخيرة في البحرين خلال «الربيع العربي»، وما تفعله في سوريا ولبنان واستتباعها حركة «حماس». ولا نعتقد أن هناك دولة في العالم تقبل أن يُهدد أمنها القومي بهذا الشكل، وتصبر على ذلك كل هذه المدة! لقد أيّدت كل دول العالم الحرّ سياسة المملكة والدول المعنية في الدفاع عن نفسها ضد تهديد أمنها القومي والأمن والعربي. فهذا ليس عدواناً، بل دفاع عن النفس وفق كل الشرائع، فعلى المحرضين ضد السعودية أن يقرأوا شرعة الأمم المتحدة، إذا كانوا يؤمنون بهذه المنظمة العالمية.

السعودية ليست صحراء قاحلة 

من الافتراءات التي يروّجها إعلام «حزب الله« وصف السعودية بـ»الصحراء القاحلة والظلامية»، وبأنها «عقل صحراوي ظلامي»، ما يدل على القحل الذي يسيطر على تفكير أتباع إيران. فلا بد أن من يروج ذلك قد سمع هذا الكلام من والده نقلاً عن جده من أن السعودية صحراء. لكن سواعد السعوديين ونِعم الله عليهم وما أكثرها، حوّلت هذه «الصحراء» إلى حاضرة عالمية وإلى حقل للتنمية المستدامة في شتى الميادين. وما على المتضررين من «عاصفة الحزم» سوى أن يسألوا أصدقاءهم أو أقرباءهم، أو أهل قراهم الذين يرتزقون في الخليج، وفي المملكة تحديداً، عن السعودية اليوم، كيف أصبحت عليه هذه البلاد «الصحراوية القاحلة؟ فإذا كانت صحراء قاحلة بالفعل، فكيف يرتزق أقرباؤهم وأصدقاؤهم وأهل قراهم؟ من رعي الإبل؟ إشارة إلى ان هناك 200 ألف لبناني يعملون في السعودية، بكل الرعاية والكرامة والاحترام، بعضهم جنى ثروات ضخمة من تلك «الصحراء». وهناك 9 ملايين أجنبي يعيشون ويرتزقون من وجودهم في بلاد الخير.

وها هي بعض الوقائع عن السعودية التي لا تريدون أن تعترفوا بها، لأنكم تقرأون في كتاب واحد معروف مؤلفه. 

تشير مؤسسة Brookings Institution في تصنيفها للعام 2011 أن مدينتي «جدة» و»الرياض» أضحتا الأسرع نمواً من بين 200 مدينة حول العالم، بعد مدينة شانغهاي (Shanghai) الصينية. والسعودية عضو في «منظمة التجارة العالمية» منذ العام 2000، وفي «مجموعة العشرين» (G20) منذ العام 2008، وهي من ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم. كما أنها عضو في منظمات وصناديق مالية دولية رقابية وائتمانية. و»السعودية الصحراء القاحلة»، بنت منذ العام 1975 أكثر من 40 مدينة صناعية في قلب الصحراء. هل سمعتم بالجبيل 1 و2، وينبع ورأس الخير ورابغ، و»مدينة المعرفة الاقتصادية»، و»مدينة الملك عبدالله الاقتصادية»، و»مركز الملك عبدالله المالي» في الرياض؟ والمملكة، أيها السادة، من أهم الدول في إنتاج البتروكيماويات وتصديرها. وقد أقامت عشرات الجامعات الحديثة، يتمتع بعضها بجودة عالمية وفق مؤشرات الجودة المعروفة التي يمكن أن تسألوا عنها. كما أرسلت 200 ألف مبتعث إلى جامعات العالم للدراسات العليا، من ضمنهم 100 ألف في الولايات المتحدة وحدها. وهناك نسبة 30% من المبتعثين من الفتيات. وأنشأت المملكة في السنوات القليلة الماضية 132 مستشفى جديداً في طول البلاد وعرضها وتعمل على التنمية الإسكانية بأضخم مشروع إسكان في العالم يتضمن 500 ألف وحدة سكنية، أنجز منها 70 ألفاً حتى اليوم. 

وبالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي السعودي، فهو بلغ في العام 2014 (752) مليار دولار أميركي، فيما وصلت الاحتياطات في الأصول إلى الرقم نفسه. وتعمل السعودية على التنمية البشرية المستدامة لمختلف قطاعات الانتاج والخدمات. فتصرف 36% من موازنتها السنوية على التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، وهو أعلى رقم في العالم، من ضمنها 25% على التعليم وحده. فهل تُرمى هذه الأموال في الصحراء القاحلة؟ لقد حقق مستوى دخل الفرد السعودي 30 ألف دولار في السنة المنصرمة.

أما «الصحراء القاحلة» ثقافياً، فهي اليوم منبر ثقافي دولي، عبر مهرجان الجنادرية السنوي، و»مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض»، و»مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والإنسانية» في المغرب وغيرها، وقد أصبحت هذه المراكز شعلة للحوار الثقافي والعلمي بين علماء العالم ومفكريه. ونشير إلى «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية»، الذي يرعى اللغة العربية ويحافظ على أصالتها. فضلاً عن ذلك، فهناك «جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة»، و»الفهرس العربي الموحد» الذي يخدم المكتبات العربية في بيئة تعاون رقمية، و»بوابة المكتبات السعودية» التي تخدم الباحثين عبر حصر مقتنيات المكتبات السعودية والعربية. والمملكة العربية السعودية هي الأولى في العالم العربي، والخامسة عالمياً، من بين الدول التي تستخدم الخدمات الحكومية الإلكترونية.

وأود أن أذكّر المتحاملين على المملكة بأنها أطلقت منذ العام 2003 حواراً ثقافياً بين مكونات المجتمع السعودي حول الكثير من القضايا الداخلية والخارجية وعلاقة السعودي بـ«الآخر»، تجسدت إصلاحات اجتماعية واقتصادية للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. ويكفي أن يعرف هؤلاء أن سياسة الحوار بين الأديان والثقافات التي أطلقها العاهل السعودي قد جعلت الغرب وأميركا يفرقان بين الإسلام وبين الإرهاب الذي تقوم به منظمات تدعي الإسلام. فبدأت حوارات برعايته بين الأديان في مدريد في العام 2008، وتواصلت من دون توقف حتى اليوم: في نيويورك وجنيف وباريس وفيينا ودول أفريقية وأميركية جنوبية، وفي السعودية نفسها بعد أسبوعين من رحيل الملك عبدالله. وتُوجت استراتيجية الحوار بين الأديان بإنشاء «مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان والثقافات» في فيينا في العام 2012. 

وقد تأكد نجاح مبادرة التعايش بين الأديان التي أطلقها الملك عبدالله بقيام الغرب بالفصل بين الإسلام والإرهاب، عندما اتصل الرئيس أوباما بالملك عبدالله عشية شن التحالف الدولي الحرب على «داعش» للتشاور معه حول العملية، وفي اليوم التالي عقدت الدول المتحالفة لقاء تنسيق في جدة. وصدرت تصريحات عن بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول بأن الحرب على الإرهاب لا علاقة لها بالدين الإسلامي وبالمسلمين. وقد تكرر هذا الفصل بين الإسلام والإرهاب مرة أخرى عقب الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة «شارلي إيبدو» (Charlie Hebdo) الباريسية. وكل هذا بفضل المملكة. 

وانطلاقاً من عروبتها وإسلامها، تدعم «السعودية الصحراء القاحلة» العالمين العربي والإسلامي، فتقدم المساعدات التنموية والمالية والإغاثية إلى البلدان المحتاجة، وإلى منظمات الأمم المتحدة الإنسانية والاجتماعية. وفي العام 2003، وقفت الرياض إلى جانب طهران عندما تعرضت لزلزال قضى على 40 ألف شخص عندها. وبين الأعوام 1987 و2007، صرفت أكثر من 266 مليون دولار مساعدات لبلدان إسلامية، وقدمت بين الأعوام 1991 و2007 مساعدات وقروضاً لدول نامية بقيمة 32 مليار دولار. وفي العام 2013، قُدرت مساعداتها الإنسانية وحدها بـ109 ملايين دولار. وفي مناسبتين، منحت المملكة 200 مليون دولار لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وفي ما يتعلق بلبنان، قدمت السعودية له مبلغ 1.8 مليار دولار أميركي بين الأعوام 1980 و2008 على شكل هبات ومساعدات تنموية وخلافه. وربما يذكر المتحاملون على المملكة أن السعودية دعمت لسنوات الأقساط المدرسية والكتب لأولادهم في المدارس الرسمية التي يؤمها الشيعة من «حزب الله« وحركة «أمل«. كما دعمت الليرة اللبنانية عبر الودائع في مصرف لبنان، ويمكن لهؤلاء أن يسألوا حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة. وبين الأعوام 2000 و2014، قدمت «الصحراء القاحلة» للبنان 11 مليار دولار مساعدات، ومن ضمنها هبات، و4 مليارات دولار لدعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية ضد الخارج المتآمر على لبنان، وضد من يتآمر في الداخل مع الخارج. وهذا الدعم للجيش والقوى الأمنية كان أيضاً لحماية الضاحية الجنوبية الشيعية التي كانت تتعرض لاعتداءات الإرهابيين نتيجة تدخّل «حزب الله« في سوريا. 

أمّا عن تقديمات «الصحراء القاحلة» للبنان وجنوبه من مكرمات ومساعدات يوم تسبب العدوان الإسرائيلي بتدمير لبنان في العام 2006، فحدث ولا حرج. في السنتين التاليتين من العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 2008، قدمت «الصحراء القاحلة» هبات ومنح إلى «مجلس الإنماء والإعمار» وإلى «الهيئة العليا للإغاثة» بقيمة 746 مليون دولار، شكلت نسبة 40% من إجمالي المساعدات العربية والدولية إلى لبنان. وضمن ما أسهمت به المملكة هو إعادة إعمار 167 قرية في جنوب لبنان، وإعادة بناء 36 عقاراً في الضاحية الجنوبية مؤلفاً من 876 وحدة سكنية. وبالأرقام، بلغ إجمالي المساعدات السعودية إلى محافظات النبطية والجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية أكثر من 307 ملايين دولار، وكل ذلك من دون منّة ولا ضجيج. هذا فضلاً عن تقديم التجهيزات للمراكز الاجتماعية والثقافية والصحية الشيعية التي تعرضت للأضرار في الجنوب والبقاع، وتمويل بناء 16 مدرسة جديدة في الجنوب، وإعادة إعمار البنى التحتية. وعرفاناً بيد الخير الذي قدمته المملكة في مناطق سيطرته في الجنوب، رفع «حزب الله« في الضاحية الجنوبية وعلى الطرق الرئيسية المؤدية إلى الجنوب شعارات «شكراً قطر»، نكاية بالجميل السعودي. لكن عندما انضمت قطر إلى السعودية في دعم الثورة السورية، أُزيلت الشعارت تلك، وبدأ السباب ينهال على قطر. ولما سئل صحافي على التلفاز، كيف أن «حزب الله« انقلب على قطر، أجاب: هذه هي السياسة.

وعن القضية الفلسطينية ودعم القضايا العربية، فلا تكفي صفحات للحديث عن ايادي السعودية البيضاء، لا القاحلة. فإلى جانب الدعم السياسي للحقوق الفلسطينية، ورفض سياسة إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، ودعم الانتفاضتين الفلسطينيتين، وكذلك حلّ سلمي يعيد الحقوق لأصحابها الشرعيين، دعمت المملكة مصر وسوريا منذ هزيمة العام 1967، وكانت وراء إعادة الدولتين بناء قوتهما العسكرية وشن الحرب على إسرائيل في العام 1973. كما دعمت المملكة منظمة التحرير الفلسطينية بين عامَي 1978 و1988 بحوالى 1.1 مليار دولار. وحتى العام 2002، قدمت السعودية حوالى 2.4 ملياري دولار إلى القضية الفلسطينية. ومن جراء العدوان الإسرائيلي على غزة في العام 2009، تبرع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بمليار دولار. وفي العام 2014، قررت الرياض تخصيص مبلع 580 مليون دولار لإعادة إعمار غزة من جراء تدميرها على أيدي الإسرائيليين في صيف ذلك العام. هذا الدعم لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، شبّهه صحافي لبناني بمثابة تحريك جيش وإعلان حالة التأهّب القصوى لخوض الحرب. وقال: «هذا هو السلوك السعودي التقليدي، وذلك هو السلاح السعودي الاستراتيجي، الذي يستخدم في هذه اللحظات الحرجة من أجل تعديل موازين القوى …» (نور الدين، محطّة). فمن قال إن الحروب تُخاض بالجيوش وحدها؟! ويذكّرنا هذا بسلاح النفط الذي شهره الملك فيصل في وجه الغرب في العام 1393هـ/1973م، رداً على انحيازه إلى إسرائيل.

وعندما تسنح لأتباع إيران فرصة تأدية مناسك الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتين ترعاهما السعودية برموش العين، لا بد أنهم يشاهدون الانجازات الضخمة التي تحققت في الأماكن المقدسة من قِبَل خادم الحرمين الشريفين. فأصبح الحج واجباً ومتعة في آن، نظراً إلى الجهود التي بُذلت من قبل هؤلاء «الكسالى والتنابل والفاشلين» لتسهيل الحج على عباد الرحمن من كل البلاد الإسلامية، وبكلفة وصلت إلى 100 مليار دولار. هذه هي السعودية الصحراء القاحلة الموجودة فقط في مخيلة أعداء المملكة، هي للخير والعطاء. 

أما عن «القوى الظلامية»، فنحن نفهم هذا المصطلح المطاط الذي يُستعاد في أدبياتكم، بأنه عندما تتآمر قوى خائنة في بلد ما في الخفاء ضد شعبها بالتعاون مع أعداء الوطن في الخارج الذين يريدون الإضرار بمصالح البلاد. ولا أعتقد أن في لبنان قوى محلية تتعامل في الخفاء مع السعودية ضد مصلحة الوطن، ولا أن السعودية تنهج سياسة الظلامية. فعليكم أن تفتشوا أنتم عن المتعاملين في الخفاء والعلن مع الخارج ضد لبنان. وخلال حرب لبنان، كانت القوى الظلامية تخطف الطائرات والأجانب لصالح إيران لتحسين مركزها في اللعبة الإقليمية على أرض لبنان. والقوى الظلامية هي التي تستخدم الإسلام واستعادة القدس في خطابها الدعائي، ولم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، وتحتضن «القاعدة» عندها وتدعي أنها تحارب الإرهاب في العراق. والقوى الظلامية هي النظام السوري، حليف إيران، الذي كان يرسل السيارات المفخخة لتنفجر في العراق بين المدنيين، باعتراف نوري المالكي نفسه. والقوى الظلامية هي التي تدعي أنها تدافع عن المستضعفين والمقهورين في العالم، بينما هي تقتل الشعب السوري بقنابلها التي تزود بها النظام الأسدي. هذه هي القوى الظلامية أيها السادة.

خليج عربي لا فارسي

لقد أشار الأستاذ علي حمادة في برنامج «بموضوعية» إلى الخليج ووصفه بالعربي، فاحتد الصحافي غسان جواد، وأصر على فارسيته، ثم أعلن أن ليس لديه عاطفة عربية، ولن أناقش في ذلك. هذا ما فعلته «ولاية الفقيه» في عقول بعض اللبنانيين، مع أن شيعة أفاضل كانوا في عداد حركة القومية العربية. وأود أن أوسّع معارف من يتنكرون لعروبة الخليج الذي يسمونه الفارسي. لقد استوطنه العرب بضفتيه الغربية والشرقية منذ عهود قديمة. وكل الأثريات والمتروكات تؤكد وجود العرب على الضفة الشرقية للخليج منذ آلاف السنين. فكان لهم هناك إمارات مستقلة ومدن قائمة بذاتها وليست مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالهضبة الإيرانية حيث كان الفرس يعتبرون جبال زاغروس ومرتفعاتها حدوداً لهم. ومن أهم الجزر التي امتلكها العرب، بالإضافة إلى هرمز، جزيرة قشم وهنجام وهندرابي وبوشير ولارك وفرور والشيخ شعيب، وقيس وبندر لنجة وصري وجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، وغيرها من الجزر. وهؤلاء العرب كانوا في حراك ما بين الضفتين، فينتقلون من الغرب إلى الشرق وبالعكس، قبل أن تتآمر فارس وبريطانيا عليهم وتهجرهم إلى الضفة الغربية، حتى أن بريطانيا رسمت في القرن التاسع عشر خطاً بحرياً في المنطقة لمنع السفن العربية من الوصول إلى ضفة الخليج الشرقية. فهذه السواحل الشرقية للخليج عربية الهوية والتاريخ، ويمكن التأكد من ذلك من كتاب الرحالة الألماني كارستن نيبور (Karsten Niebuhr) الذي جاء إلى المنطقة في العام 1765، وقال: «يخطئ بعض الجغرافيين اذا اعتبروا أن جزءًا من السواحل العربية في الخليج كان خاضعاً لملوك العجم، بل إن العكس هو الصحيح». وأضاف: «من المضحك تسمية هذا الخليج العربي بالخليج الفارسي، وذلك لأن العرب كانوا يسيطرون على الخليج بشاطئيه الغربي والشرقي». أما الزعم بأن الرئيس عبد الناصر استعمل مصطلح «الخليج الفارسي»، فهو باطل، لأن الوثيقة التي يتحدثون عنها ينفيها سكرتير الرئيس عبد الناصر سامي شرف. صحيح أنه قبل الثورة المصرية في العام 1952 كان يُطلق على الخليج صفة الفارسي، إلا أنه مع مجيء عبد الناصر وإبان المد القومي العربي أصبحت التسمية العربية الرسمية «الخليج العربي»، حتى ان الأمم المتحدة تستعمل التسميتين. واللافت أن أتباع إيران أصبحوا يستحضرون الناصرية وصدامها مع السعوديين حول اليمن خلال الستينيات من القرن الماضي، لاستخدامها سياسياً في مقولاتهم ضد المملكة، بعدما تخلوا عن مضمونها العروبي.

إيران «المتقوقعة» داخل حدودها!؟

أما عن أن إيران لا تتدخل في اليمن ولا في العالم العربي، وترسل المن والسلوى إلى النظام السوري ليوزعها على شعبه، فهو كلام مغاير تماماً للحقيقة التي يعرفها الجميع، حتى أن حسن نصرالله قال إن «كسل وتنبلة وفشل» القادة السعوديين والعرب هو الذي مكن إيران من تدعيم «حضورها» في العالم العربي، وهذا اعتراف صريح بأنه يريد العرب ضعفاء وفاشلين وتنابلة كي تستطيع إيران تنفيذ مخططاتها المريبة تجاه الوطن العربي. وباستثناء عهدي هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي 1989 2005، فلا يمكن الحديث عن نظام فارسي متصالح مع محيطه العربي. فالإيرانيون، تعاطوا مع محيطهم العربي منذ قيام جمهوريتهم على أنه أنظمة فاسدة متعاملة مع «الشيطان الأكبر» (الولايات المتحدة الأميركية) يجب القضاء عليها، عبر تصدير ثورتها الإسلامية إليها. هذا «الشيطان الأكبر» الذي تفاوضت إيران معه منذ أكثر من سنة، ووقعت قبل أيام على اتفاقية إطار في شأن برنامجها النووي وكل هذا تحت ستار «الممانعة» الكاذبة ضد أميركا وإسرائيل.

ولا يزال العراق ودول الخليج العربية ولبنان من ضمن أهداف الدولة الفارسية منذ العام 1979. ولم يغرد خارج السرب العربي إلا النظام السوري التبعي الذي تحالف مع إيران منذ الحرب العراقية-الإيرانية في العام 1980، ووقع معها معاهدة عسكرية في العام 2006. ومنذ مجيء الرئيس نجاد، وفي ظل المرشد الأعلى علي الخامنئي، بدأت إيران تتدخل أكثر في العراق، وتدعم «حزب الله« في لبنان للهيمنة على المؤسسات الدستورية والحياة السياسية العامة، وتعلن من وقت إلى آخر عن تبعية البحرين لها وتصر بعنجهية على تبعية الجزر الإماراتية الثلاث لها، فضلاً عن دعم الحوثيين في اليمن بالخبراء من الحرس الثوري منذ العام 2004. وقد جرى ضبط سفن إيرانية في الموانئ اليمنية تهرب الأسلحة إليهم. كما تدخلت إيران وسوريا في القضية الفلسطينية، وتسببتا بشرخ بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية من أجل مصالحهما الخاصة، فعطلتا تنفيذ اتفاق 8 شباط 2007 الذي رعاه الملك عبدالله (وثيقة مكة).

هكذا، بينما كانت إيران تحيك «القوس الشيعي» عبر العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، كانت تطور برنامجها النووي الذي يمكنها من فرض هيمنتها على المنطقة، وتعمل في الوقت نفسه على استكمال «القوس الشيعي» من لبنان إلى سوريا فالعراق واليمن حتى باب المندب، ولا تقطعه إلا السعودية التي مارست ممانعة حقيقية لا زائفة، ووقفت عقبة رئيسية في طريق المشروع الإيراني، وتدعم العرب للتصدي للمشروع القومي الفارسي المشبوه. فأخذ أعداء العروبة يخططون لإسقاطها مع أماكنها المقدسة. ومع انطلاق «الربيع العربي»، بدأت إيران تروّج فكرة «الشرق الأوسط الإسلامي»، رداً على مقولة «الشرق الأوسط الكبير» الأميركي. فرحّبت بالثورة في تونس، ورأت أن «الربيع العربي» الذي امتد إلى مصر وشاركت فيه حركات وجماعات إسلامية، إنما جاء بإلهام من «ثورتها الإسلامية». وقد اعتبرت قيادات إيرانية أن الأحداث في العالم العربي هي «هزات ارتدادية للثورة الإسلامية في إيران». فحاولت اختراق مصر الإخوان المسلمين، وفشلت بانقلاب الجيش والشعب عليهم، فيما حصل تقارب غير مسبوق بين القاهرة والرياض، حيث تلقت الدولة الأولى دعماً سياسياً ومعنوياً ومالياً من المملكة ودول خليجية. فكان هذا التقارب بين البلدين رسالة إلى الإخوان المسلمين وإلى إيران كذلك، بأن مصر ليست إخوانية ولا فارسية. وما لبثت طهران أن تلقت ضربة في السودان، عندما أوقف مؤخراً تسربها فيه عبر إقامة المراكز الثقافية وتقديم المنح الدراسية، وتعليم اللغة الفارسية، ونشر التشيع، وتقوية العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية معه. وكان هذا يستهدف الأمنين المصري والخليجي. فارتدّت إيران إلى البحرين تحرّض الشيعة هناك على «ربيع فارسي» ضد حكومتهم. فكيف تكون مطالب المتظاهرين الشيعة البحرينيين اجتماعية وسياسية داخلية، وهم يرفعون أعلام وصور قيادات إيرانية ومن حزب الله. فكان هذا دليلاً كافياً على أن شيعة البحرين يريدون استحضار النفوذ الإيراني إلى بلدهم وجعله جيباً فارسياً في قلب الخليج العربي. ولم تتوقف الهجمة الفارسية على البحرين إلا بدعم عسكري أخوي من السعودية ودولة الإمارات العربية.

ومن جديد بدأت إيران تحرض الحوثيين في اليمن للانتفاض على حكومتهم، بعدما فشلت تحرشاتهم بالمملكة في العام 2009. لكن السعودية ودول الخليج مجتمعة استطاعت أن تؤطر «الربيع العربي» في اليمن، من خلال المبادرة الخليجية للعام 2011 وإجراء انتخابات رئاسية أوصلت عبد ربه منصور هادي إلى رئاسة الجمهورية في العام التالي. مع ذلك استمر التحريض الإيراني للحوثيين وللرئيس السابق الفاسد علي عبدالله صالح. فنسيت إيران المستضعفين اليمنيين المقهورين على يد نظام صالح، وباركت حلفاً بينهما ضمن مخطط لإسقاط الحكم الشرعي في البلاد.

وهناك أكثر من دليل على أن الحوثيين ما ثاروا من أجل مطالب اجتماعية أو سياسية، وإنما لاستدعاء إيران إلى الداخل اليمني وتمكينها من موقع اليمن الإستراتيجة على الحدود مع السعودية وعلى بحر عُمان، وفوق كل شيء إشراف عاصمتها الاقتصادية عدن على باب المندب. فلا أحد يصدق أن تكون هناك مطالب اجتماعية-سياسية للحوثيين، اسوة بالشيعة البحارنة، ويرفعون بالتالي صور قيادات إيرانية ومن «حزب الله«.

وفي استيلائهم على ميناء الحديدة على البحر الأحمر ووصول قواتهم إلى مقربة من باب المندب، يكون الحوثيّون وجماعة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومن ورائهم إيران، قد تجاوزوا الخطوط الحمر الخليجية والدولية، نظراً إلى أهمية الممر المائي بالنسبة إلى دول الخليج العربية ومصر (قناة السويس) وإلى التجارة الدولية. إشارة إلى أن إيران كانت تهدد خلال حرب الخليج الأولى والاحتلال الأميركي للعراق بإقفال ممر هرمز أمام التجارة الدولية وإمدادات النفظ إلى الأسواق التي تبلغ حوالى ربع الإمدادات العالمية. ومن خلال التدخّل في العراق والبحرين، والاقتراب من باب المندب، يمكن لإيران أن تحاصر الجزيرة العربية، وبالتحديد المملكة العربية السعودية، ووضع الخليج العربي ومنطقة البحر الأحمر، بين فكي كماشة. هذا «الانفلاش» الإيراني الذي يحصل في ظلّ المفاوضات الأميركية الإيرانية حول النووي، وتدهور أسعار النفط الذي ترفضه طهران، قد يؤدّي إلى تداعيات خطيرة على 

الأمن القومي لبلدان الخليج ومصر وللمصالح الدولية.

إن دور إيران في الانفلاش المبرمج على البلدان العربية، تفضحه تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين. فقاسم سليماني وميليشياته من الحرس الثوري، كانت تقاتل في العراق ضد «داعش»، وتملأ الفراغ الذي تخلّفه. وكشفت معركة تكريت عن مخطط إيراني تجاه العراق. فتحدث علي يونسي، مستشار علي روحاني، عن مخطط قومي إيراني خطير، بأن «إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي»، في إشارة إلى إعادة إحياء الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وحول التواجد العسكري الكثيف لبلاده في العراق لمحاربة «داعش» في الآونة الأخيرة، قال يونسي: إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد». ومن ناحية أخرى، فإن توسّع التحالف بين الحوثي وعلي عبدالله صالح المدعوم إيرانياً والسيطرة على كل اليمن تقريباً، ودخول مناطق في محافظة عدن، جعل قيادات إيرانية رفيعة تهلل وترفع راية النصر على العروبة، ممتدحة توسّع دولتها في الوطن العربي لتضييق الكماشة عليه. فقال علي شمخاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، الذي شغل بين الأعوام 1418 و1426هـ|1997 و2005م منصب وزير الدفاع، إن بلاده منعت سقوط بغداد ودمشق وأربيل بأيدي متطرفي («داعش»)، و«باتت إيران الآن على ضفاف المتوسّط وباب المندب» (إيران: نحن متواجدون). ولم يعد هناك فريق في إيران بين فريق معتدل وآخر متشدد، فالكل ينشد إمبراطورية فارسية على مساحة الشرق الأوسط والإمساك بمفاصله الإستراتيجية.

انتفاضة 

تحت وطأة المفاجأة غير المتوقعة، هوجمت عملية «عاصفة الحزم»، لأنها دلت على حزم غير مسبوق للعرب منذ العام 1393هـ|1973، وذلك لتصحيح الخلل الذي تسبب به «السرطان» الإيراني في الجسد العربي. وقد ساء أتباع إيران أن يفشل المخطط الإيراني في مراحله الأخيرة في اليمن، بعدما نجح في لبنان وسوريا والعراق. وبدلاً من أن تُستنهض عروبتهم تجاه القرار العربي بقبول التحدي الإيراني، تنشطت «فارسيتهم» فيصفون القيادات العربية بـ «الكسالى والتنابل والفاشلين»، لأن غيابهم «عن السوق» ملأته طهران بتمددها و»حضورها» على حساب بلدانهم. إنهم بالفعل «تنابل وكسالى وفاشلون»، لأنهم لم يعتدوا على جيرانهم يوماً، ولم يتدخلوا في شؤونهم، ولم يرسلوا جيوشهم لاحتلال بلاد الغير، أو التحريض على الانقلاب ضد الحكومات الشرعية. فهم لا يملكون «حرساً ثورياً» للتخريب في بلاد الغير، ولا ميليشيات، بل يستعملون النصيحة والتوجيه والكلمة الصادقة. ولا من مرة، استُخدم تسلّحهم لغرض هجومي. أما عندما ينتفضون هؤلاء «الكسالى»، فعندها تقوم الدنيا وتقعد عليهم، من دون ذرة مشاعر لعروبة ضاعت في هضاب إيران. على عكس ذلك، استهجن صحافي مستجد مزهواً بفارسيته، عندما قال لمحاوره: لماذا تأتي أميركا من أقاصي الأرض إلى المنطقة، وممنوع على إيران أن تفعل مثلها؟ بكلمات أخرى، أراد القول إن إيران تريد أن تكون إمبريالية كالولايات المتحدة وتهيمن على المنطقة من ضفاف المتوسط إلى ضفاف المندب، وتهدد جيرانها بقوتها العسكرية وتخويفها النووي. إن إطلاق صفة الكسالى وما استتبعه من أوصاف، لا ينطبق على «العرب الجدد» الذين تحركوا للدفاع عن أمنهم القومي. ولو بقوا كسالى فاشلين يشاهدون بلادهم ومدنهم تسقط الواحدة بعد الأخرى بيد إيران وأتباعها، لكان أتباع إيران وأدواتها صفقوا لهم وهللوا. 

ويعرف اللبنانيون الفرس وقبلهم إيران، أن التحالف العربي- الإسلامي القائم الآن (عاصفة الحزم)، هو لخلق معادلة سياسية استراتيجية جديدة تقوم على الردع والإمساك بزمام المبادرة والبعث برسائل إلى طهران ومن يهمه الأمر بأن العرب لن يسمحوا باستهداف أمنهم القومي بعد اليوم. وضمن هذا السياق، تندرج المناورات السعودية الضخمة الأخيرة في ثلاث مناطق في البلاد، التي اعتبرت شكلاً من أشكال التحضير للتصدّي للإرهاب أو لمخطّطات إيران في المنطقة، أو ما يمكن أن يشكّل تهديداً لأمن المملكة والعرب. من هنا، وبالقوات المشتركة العربية التي يجري التباحث في شأنها، سوف تؤسس شبكة دفاع استراتيجية عربية من ضفاف الأطلسي إلى ضفاف المتوسط.

([) أستاذ جامعي