… هبّت من زمان على عالمنا الذي ربما كان عربياً قبل أن يصير بلا هوية، يقتل أهله بعضهم بعضاً براً وبحراً وجواً. هبت عاصفة الحزن يوم اغتصبت أرض فلسطين شبراً شبراً تحت عيون أهلها وعيون كل العرب الغاشية أبداً. وسنة بعد سنة امتدت العاصفة الى كل البلدان العربية واعتلت عرش الدين وفككته مذاهب متناحرة، فاستيقظ الحقد والانتقام.
وكان الربيع الكاذب الحامل عنوان الثورات على الأنظمة الفاسدة، فكانت ثورة على سلام البلدان، مذهبية الهوى، خربت ودمّرت المعالم الحضارية، وقتلت الإنسان، وقتلت مستقبل الأطفال داخل عواصف حزن أعلنت دمار ليبيا وسوريا والعراق واليمن اليوم، وكانت قد أصابتنا في لبنان قبل أربعين عاماً يوم دمّرنا وطننا، وهاجر من هاجر من أهلنا. وما زلنا نعاني خللاً خطيراً في بنية الوطن الأساسية.
والعالم “المتمدن”، العالم الغربي يتفرّج صامتاً على جراحنا وعلى غباوتنا وعلى حرصنا الشديد على تنفيذ مخططاته للقضاء على كل مظاهر حضاراتنا لأنه طامع بالسيطرة على جنسنا البشري الفريد، حكامه أصحاب ثروات نفطية وغير نفطية، ويدفعون الشعوب المؤمنة بإله واحد الى قتل الآخرين المؤمنين مثلهم بهذا الإله الواحد الاحد.
عاصفة الحزن تهزنا جميعاً ونحن نشهد على تدمير مبرمج لبلداننا جمهوريات وإمارات وممالك، فإسرائيل والعالم الغربي أرادا لنا التفكك الى دويلات خراب، ونحن ننفذ إرادتهما، ذلك ان العرب لا ينتمون الى الأرض، ولا الى مجتمعات كانت تضمهم معاً على اختلاف فكرهم السياسي والديني، ولم تكن لهم يوماً جرأة فصل الدين عن الدولة ليتمكنوا من بناء إنسان جديد، ومن ثم أوطان جديدة لا تهدم وفق روزنامات حروب مقررة لها سلفاً.
هنا نقطة ضعفهم أمام من يستغلهم فيقضون على كل رجاء لسلام دائم يؤمّن للإنسان العربي درجة وعي تليق بهذا الزمن، بالقرن الحادي والعشرين، لا بإنسان جاهل عاد بالعرب الى عصر الإنسان الحجري المتخلف لو داعشياً، ولو غير داعشي، متخلف إنما بسلاح متطور، ثمنه باهظ، يفجره فوق أرض عربية، فيقتل أهلها ويدمرها من غير أن يرف له جفن.
هل هناك من يخبرني كيف نعتذر لأطفالنا الحفاة، العراة والجائعين كل صباح حزن يستقبلونه لو كتبت لهم الحياة؟