لم تستقم بعد العلاقة بين المتدخّل الروسي من الجوّ في الحرب السورية، وبين حلفاء النظام السوري الذين يقاتلون على الأرض، أو أقلّه لا يزال التنسيق بين فعاليات عاصفة السوخوي الجوّية وبين كلّ القوات البرّية الإيرانية وحزب الله والدفاع الشعبي وأيضاً الجيش السوري، دون المستوى المطلوب. وهذا الواقع قادَ إلى جعلِ محور حلفاء النظام يعيشون تطبيقات وجود خطّتَي رؤى وعمل، الأولى روسيّة وتتحرّك من الجوّ بنحو منفرد، والثانية برّية تسعى إلى تنسيق أكبر مع عاصفة السوخوي، وأطرافُها هم القوى التي سبَقت روسيا إلى الميدان البرّي السوري بهدف دعم النظام.
وبحسب مصادر موثوقة، أنّه بعد مضيّ نحو شهر من التدخّل الجوي الروسي، برز لدى حلفاء النظام المنخرطين مع الجيش السوري في الحرب البرّية، مجموعة ملاحظات على أداء عاصفة السوخوي. وهناك حِرص على أن يتمّ إدراجها بصفتها نواقص تسَبّبت في عدم استثمار الجهد الجوّي الروسي في عمليات تقدّم برّية تؤدي إلى تغيير الموازين العسكرية على الأرض.
ومجمل هذه الملاحظات يندرج ضمن إطار فكرة أساسية، وهي أنّه في حال لم تُعالَج النواقص المتمثّلة بغياب التنسيق العسكري العالي المستوى بين الجهد الجوي الروسي والقوات البرّية السورية والإيرانية وحزب الله، وأيضاً غياب رؤية جامعة وواضحة للأفق السياسي لعاصفة السوخوي؛ فإنّ ضربات المقاتلات الروسية ستبقى من دون أيّ ترجمة ميدانية فعلية.
وتعَدّد المصادر عينها مجموعة شروط لا بدّ من تحقيقها لتصبح عاصفة السوخوي مشروع حسم عسكري وسياسي، أبرزها الآتي:
أوّلاً – حصول تنسيق عالٍ بين كلّ القوات المشاركة ضد جماعات المعارضة المسلّحة، الروسية والسورية والإيرانية وحزب الله، مع إعطاء صانعي الرؤية العسكرية الروسية المسيّرة لعاصفة السوخوي رأي حزب الله العسكري داخل هذه المنظومة اعتباراً مميّزاً، وذلك لكونه صاحب تجربة في القتال البرّي نتيجة حروبه مع إسرائيل، إضافةً إلى اكتسابه لاحقاً خبرة في الميدان السوري بعد نجاحاته في يبرود والقصير والزبداني.
ثانياً – إثبات عاصفة سوخوي جدارة على مستوى تدمير «مراكز الثقل» لدى الجماعات المسلّحة (مقار قياداتها واستخباراتها واتصالاتها ومخازنها) كون تدميرها يحقّق هدف جعلِ «العدو أعمى ومفكّكاً». ويثير طرح هذه الملاحظة الانطباع بأنّ سلاح عاصفة السوخوي لم ينجِز خلال الشهر الماضي هذه المهمّة على النحو المطلوب.
ثالثاًـ المعيار المطلوب والذي لا يزال غيرَ متوافر، يتمثّل برفع مستوى التنسيق بين سلاح الجوّ الروسي وقوات المشاة البرّية العاملة على الأرض والمتشكّلة من الجيش السوري وحزب الله والدفاع الشعبي وقوات من النخبة الإيرانية (خصوصاً قوّة الصابرين» التي تعدّ 4000 مقاتل من صفوف نخَب كلّ الجيش الايراني، يوجد منها في سوريا ألفان).
ويتطلّب تحقيق هذا النوع من التنسيق وجود «ضبّاط اتّصال» روس على الأرض، وذلك «لهداية نار الغارات» (ترشيدها وتصويب رمايتها)، وضمان اتّصال سريع بسلاح الجوّ الروسي لتلبية طلب «المساعدة العاجلة» التي تطلبها منه القوات البرّية حينما يواجه تقدّمها على الأرض تعقيدات لوجستية.
والواقع أنّ أحدث عملية تقدّم على الأرض شنّها تحالف قوات النظام السوري إثر سلسلة غارات روسية تمهيدية، منِيَت بالفشل نتيجة غياب هذا النوع من التنسيق بين سلاح الجو الروسي وقوات المشاة الارضيّة، ذلك أنّ المسلحين امتصّوا نتائج الغارات التمهيدية للتقدّم البرّي، ولدى بَدئه ظهَروا في مواقع مخفيّة وتصدّوا للآليات المتقدّمة بصواريخ مضادة للدروع وكبّدوها خسائر كبيرة.
رابعاً- ضرورة أن يلجأ سلاح الجوّ الروسي الى استخدام الأسلحة الذكية بفعالية أكبر. فحتى الآن تعتمد عاصفة السوخوي عموماً على استخدام أسلحة تدميرية تحقّق أهدافاً عامّة وكبيرة، ولكنّها لا تستطيع التعامل بنجاح مع تكتيكات التخفّي والتكيّف مع الحملة الجوّية الروسية التي تستخدمها فصائل المعارضة المسلّحة، ولا سيّما منها المجموعات الأكثر تدريباً وخبرة قتاليّة التي سبقَ لها أن خاضت معارك برّية في ظلّ وجود حملات استراتيجية جوية تستهدفها، وذلك في أفغانستان ومناطق في القوقاز والعراق؛
وتمتاز هذه المجموعات التي يقدّر عديدها بالآلاف في سوريا، بأنّ لديها خبرة في التكيّف مع الحرب الجوّية، ما يجعل الروس معنيين بتكثيف استخدامهم تكتيكات جوّية نقطوية بالإضافة إلى حملات القصف التدميري للعدو. وهو أمرٌ تحقّقه الأسلحة الذكية القادرة على ملاحقة البنى اللوجستية المبنية لجعل الجماعات المسلّحة قادرة على استمرار القتال على الأرض من خلال القدرة على التكيّف مع الحملات الاستراتيجية الجوّية.
خامساً – عزل الحدود البرّية، في اعتبارها ممرّات تغذّي المعارضة المسلحة بالعديد والعتاد والإسناد اللوجستي بكلّ أنواعه، وذلك على نحو مستديم. ومطلوب إعطاء الأولوية لعزل الحدود التركية ومن ثمّ الأردنية، في اعتبار انّ حزب الله نجَح في عزل الحدود اللبنانية.
سادساً – وصلُ المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية بعضها ببعض، والعمل على حصار الجماعات المسلّحة في بعض المدن الكبرى وتقطيع الصلات بينها.
سابعاًـ المعيار السابع؛ وفي إطاره يندرج الهدف الأكبر للقوى المتآلفة ضمن الجهد البرّي في سوريا، (إيران وحزب الله وقوات الدفاع الشعبي والجيش السوري)، ومفادُه مساهمة روسيا في تقديم غطاء تسليحي وجوي روسي واسع لتنفيذ عملية عسكرية لضبط كلّ الحدود السورية – العراقية، نظراً لأنّ نجاح مثل هذه العملية سيؤسّس لقيام الحلف الإقليمي – الروسي الكبير المسَمّى اصطلاحاً «حلف الدوَل الأربع زائد واحد»، ويضمّ، إلى روسيا، لبنان، سوريا، العراق، إيران.
ما هو موقف روسيا من هذه الاقتراحات التي يُعبّر عنها تحالف القوات الممسكة بزمام مناطق النظام على الارض؟
إستناداً إلى أجواء متقاطعة، فإنّ الإجابة عن السؤال الآنف تُبرز الظلالَ الأساسية الآتية داخل صورة العلاقة بين روسيا وحلفائها على الأرض السورية:
– حتى اللحظة توجّه موسكو عملياتها الجوّية ضمن هدف أساس وهو خلقُ منطقة آمنة في محيط قواعدها العسكرية في الساحل السوري، مع ملاحظة أنّها تبذل جهداً حثيثاً لتوسيع منشآت هذه القواعد، لتصبح جاهزة لاستيعاب مزيد من الطائرات.
– توجّه موسكو عملياتها الجوّية العسكرية ضمن رؤية عمل تحرص على خلق أفق سياسي لعاصفة السوخوي يفضي إلى إنتاج تسوية سياسية للأزمة السورية. وهنا نقطة التباين التكتيكي بين حلفاء النظام السوري على الارض وبين حليفه الروسي في الجو.
– من وجهة نظر موسكو أنّ زيارة الأسد لها أمَّنت أمرين:
ـ الأوّل، الإيحاء أنّ النظام أصبح مستقرّاً ويستطيع رأسه مغادرة البلد في زيارة رسمية ثمّ العودة إليه.
ـ الثاني يلفت الى انّ العلاقة بين بوتين والأسد لم تعد تتمّ بواسطة مبعوثين ومستشارين، بل أصبحت علاقة شخصية، وهي ثنائية وشخصية وتعبّر عن علاقة بين رأسَي هرمي الدولتين السورية والروسية.
ومن وجهة نظر حلفاء النظام على الارض فإنّ أهمّية هذه الزيارة ثبتت أن يبدأ الحلّ السياسي بعد انتهاء الحسم العسكري ضد التكفيريين في كلّ سوريا.
يبقى من المهم الإشارة في هذا المجال الى معلومة أخيرة تلخّص واقع التوجّهات داخل محور التحالف الداعم للنظام السوري، ومفادها أنّه في ظلّ تحالف القوى العاملة على الأرض «ينصح الحليف الروسي بأن يعمد في الفترة المقبلة إلى تصحيح أداء عاصفته الجوّية عبر جعل التنسيق كاملاً بين فعالياتها وفعاليات قوّات المشاة، لإحراز مكاسب على الأرض، إضافةً إلى دعم عملية عسكرية شاملة لضبط الحدود السورية ـ العراقية بهدف بناء «تحالف الدوَل الأربعة (إيران، العراق، سوريا ولبنان) زائد روسيا»، فإنّ موسكو تتّجه خلال الأسابيع المقبلة إلى تخفيف كثافة جهدها العسكري في سوريا، إفساحاً في المجال أمام جهود الحل السياسي للأزمة السورية التي تقودها مع غير طرف دولي وإقليمي وسوري داخلي.