IMLebanon

عاصفة طرابلسية» لإبعاد الغيوم السود!

تابَع قياديّ طرابلسي بقليل من القلق سلسلة التحقيقات التلفزيونية والمقالات التي تتحدَّث عن المجموعات المسلحة التي تُهدِّد الخطة الأمنية في المدينة، ويهزأ عندما يرى أنَّ كلّ هذه المتغيّرات منتظرة من اثنين هما شادي المولوي وأسامة منصور. لكنّه ما يلبث أن يستشعِر بعض المخاطر عندما يبحث عن الجهة التي تسعى إلى تكوين هذه الصورة. فلماذا هذا الشعور المتناقض؟

لا يَستغرِب القياديّ الطرابلسي ما تسمعُه أذناه وما تراه العين عند الإمعان في قراءة التقارير الصحافية التي تُنشَر عن أمن طرابلس وحجم التحليلات التي ذهبت بعيداً في توقّعاتها عن قيام «إمارة إسلامية» فيها.

وما أثار الاستغراب أنّها ستقوم وفقَ ما قالوا على أنقاض الخطة الأمنية التي بدأ تنفيذها مع تأليف الحكومة الجديدة وأنهَت كلّ أشكال خطوط التماس والمحاور التقليدية التي رُسِمت على مدى عشرات جولات العنف التي عاشتها المدينة وحَصدت مئات القتلى وآلاف الجرحى.

يُدرك القيادي أنّ هناك من يريد أن تكون طرابلس على هذه الصورة، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات ليُواكب بسيل من المخاوف قيام «الدولة الإسلامية»، والتي صدَحت بعض الأصوات النشاذ من المدينة لملاقاتها على أبواب بعض المساجد عندما تظاهرَ المئات من أبنائها منادِين بـ«الدولة الإسلامية» ومُتناسين أنّ في طرابلس نحو 275 ألف مواطن من سكّانها وقاطنيها عدا عن نصف مليون إنسان يقصدها أو يعبرها يومياً، ولا يريدون إلّا الأمن والإستقرار فيها وعودة الحياة الطبيعية إليها.

ويضيف: بعد تنفيذ الخطة الأمنية وانتهاء أدوار ومهمّات نحو تسعة من قادة المحاور البارزين، الذين باتوا إمّا خارجها أو في السجون، هناك متضرّرون في الأمن والسياسة ممَّن شاؤوا أن يكونوا على لائحة الساعين الى إحياء هذه الأجواء رغبةً منهم في تبرير ما يحصل في سوريا والعراق، والمواجهة التي يخوضونها إلى جانب النظام السوري».

ومن دون التوسّع في هذه القراءة لتطوّرات المدينة من هذه الزاوية الثابتة، يُسارع هذا القيادي الى الاعتراف بأنّ الذكاء الذي يتمتّع به مخطّطو هذه الحملة ليس مطلوباً بالكامل. ففي المدينة من قدَّم إليهم الهدايا يومياً على أطباق من ذهب.

ويستدرك: أنّ هذه الهدايا وعلى رغم حجمها لم ترقَ بعد الى مرتبة تبرير ما يقومون به في سوريا ومدى تورّطهم في القتال هناك، وحجم الخسائر البشرية التي اقتربت من الخط الأحمر، فلجأوا إلى معادلة تصحّ في السياسة والإعلام والعسكر على السواء، وتقول «كبّر من قدرات عدوّك وعظّمها لتنجحَ في تضخيم انتصاراتك وزيادة أرباحك».

وعلى هذه القاعدة، يتطلّع القيادي إلى أحداث طرابلس، مؤكّداً أنّ هذه المعادلة لا ترتبط في أهدافها وغاياتها ببقعة جغرافية محصورة بالمدينة، بل ترقى الى مستوى التعاطي مع لبنان كاملاً. فلبنان اليوم تحوَّل بإرادة البعض، مسرحاً لموجة جديدة من العنف المستورد من الخارج على دفعات.

وكلّ ذلك يحدث على أبواب سيناريوهات متوقّعة على وقع التطوّرات على الحدود الشرقية مع سوريا، والسعي الى نقل تردّداتها إلى العمق اللبناني وإثارة الفتنة في مناطق تشكّل خطوط تماس مذهبية بين اللبنانيين.

ويضيف: كان ينقصنا أن تُعلن دولة «داعش» عن خريطتها للمنطقة والتي ضمَّت لبنان وصولاً إلى شمال افريقيا، ليتقدّم أصحاب النيات في مخططهم في طرابلس وتخوين أبنائها وتنسيبهم الى دولة «داعش» الى جانب كثيرين من اللبنانيين، بمجرّد أنّهم لا يشاركونهم الرأي والمنطق الذي يُبرّر تشريع الساحة اللبنانية على شتّى المخاطر من جنوبه الى بقاعه وأقصى الشمال، شاؤوا أم أبوا، فإنْ لم يكونوا من المنتسبين إلى «داعش» فهم من وكلاء الدفاع عنها».

وعلى هذه الخلفيات، يقول القيادي الطرابلسي إنّ المدينة تَعي كلّ هذه المخاطر وتعرف أنّ مسلسل تقديم الهدايا يجب أن يتوقّف فوراً. ومن هنا كان الموقف الجامع من استرداد مسجد عبدالله بن مسعود في التبانة الى دار الفتوى وترحيل كلّ من شادي المولوي وأسامة منصور عنه إلى أيّ مكان يريدانه، وهو ما حصلَ أمس، إضافةً إلى فتح أحياء طرابلس أمام الجيش والقوى الأمنية.

فهما ليسا أهمّ من قادة المحاور الذين انتهَت أدوارهم، وخطرُهما محدود للغاية، ذلك أنّ ما هو أخطر نجاح البعض في استغلالهما، ولذلك سيكون وقف استثمار أحداث المدينة ضَنّاً بأمنها إنجازاً لا يوازيه إنجاز.

ولذلك وصفَ القيادي ما تحقّق أمس في طرابلس بأنّه بداية «عاصفة طرابلسية» تسعى لإبعاد الغيوم السوداء عنها. فهل ستنجح؟