ليل الاربعاء الماضي مساء كان فترة استراحة سواء بالنسبة الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبالنسبة الى الرئيس سعد الحريري المتواجد في الرياض.
الرئيس الحريري، في الغالب، وكما ينقل عارفوه، لا يجيب على اتصالات هاتفية، على هاتفه الخليوي الخاص، من ارقام لا يعرفها، فهو حذر في هذا المجال خصوصا انه يستمع الى نصائح امنية في ما خص التعقيدات التقنية للهواتف الخليوية.
المهم في تلك الفترة من ليلة الاربعاء رن هاتف الخليوي الخاص للشيخ سعد وكان في الطرف الآخر صديق قديم مقرّب من دولته، كان قد طلب منه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ان يقوم بالاتصال بالرئيس الحريري من هاتفه الخاص للتكلم معه. وهكذا تم الاتصال.
حديث في السؤال عن الأحوال ثم في الأوضاع العامة، وفي خلاله قال البطريرك الراعي انه سيزور احدى الدول الاوروبية وهو يرحب بلقاء الرئيس الحريري اذا تزامن وجود الراعي فيها مع وجود الحريري ايضا، لكن الرئيس الشاب اعتذر بلباقة موضحا انه باق في المملكة لمتابعة ولمواكبة التطورات من عاصمة القرار العربي، خصوصا ان تواجده فيها يتيح له اجراء الاتصالات الفاعلة في كل ما يخص الملفات اللبنانية.
الاتصال الذي استمر ثلاث دقائق، انتهى بالعموميات ككل اتصال هاتفي.
ما المغزى من ذلك؟
الزعيم الشاب سعد الحريري هو من القادة النادرين الذين لهم كلمة واحدة ولسان واحد وقناعة واحدة، فلا يعرف في السياسة مقولة لكل مقام مقال، وهو يملك فائضا في الشفافية كما في الجرأة والصراحة، ولأنه لا يعتمد الطعن في الظهر اسلوبا في السياسة فهو يتحاشى من يعتمدون هذا الاسلوب ويحاول الابتعاد عنهم قدر المستطاع.
على مدى عام ونصف عام من عمر الشغور الرئاسي، كسر الرئيس الحريري الرقم القياسي في الاسفار في اتجاه عواصم فاعلة بحثا عن مخرج من المأزق الرئاسي، عقد لقاءات نوعية سواء مع مسؤولين دوليين أو مع شخصيات لبنانية، التقى العماد ميشال عون والكاردينال الراعي في روما، وكان في منتهى الشفافية في احاديثه، أدرك من معظم لقاءاته ان هناك عقدا وتعقيدات ولن يكون قادرا على معالجتها بمفرده فأتخذ قراره بعدم الاقدام على اي مبادرة لأن الآخرين لا يلاقونه في منتصف الطريق، ومنذ أكثر من عام يبدو الرئيس الحريري منكفئا عن معاودة الكرة طالما انها ستؤدي الى النتيجة ذاتها دون جدوى.
استحقاق آخر يواجهه الرئيس الحريري هذا الاسبوع، هو استحقاق الجلسة التشريعية لتشريع الضرورة، حتى لو انعقدت الجلسة أو لم تنعقد فإن المسؤولية في هذا المجال هي مسؤولية مشتركة بمعنى ان الرئيس الحريري ليس وحده فيها، مشاركة أو مقاطعة، على الجميع تحمُّل المسؤولية وعلى كل المستويات، من رجال السياسة الى رجال الدين، فالرئيس الحريري يمد يده وجاهز لأي حل اذا لاقاه الآخرون في منتصف الطريق.